عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-31-2016, 04:39 AM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
Post التطور والبرازخ الحقيقية..المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

د.هيثم طلعت



إذا قلت لأحد الملحدين أن نظرية النسبية العامة لأينشتاين قد لا تكون صحيحة خاصةً وأنها لا تتوافق مع نظرية الكم، فإن الملحد لن يعير لكلامك اهتمامًا وقد يُصدِّق عليه أو يؤكد قوة النسبية العامة، أما أن تتعرض لنظرية التطور أمام الملحد بأدنى نقد فإن الملحد ساعتها سيرتجف ويرتجف مقعده وتتسع حدقة عينه ويصاب بارتشاح وتعرّق شديدين، ثم يمطرك بوابلٍ من الشتائم والازدراء والتسخيف والنقد لمستواك العلمي، وقد تكون مقدمتك تلك بالتشكيك في صحة التطور نهاية الحوار بينكما!

إن الأمر يتجاوز حدود العلم بكثير لدى الملحد ليمس أدق ما ينعقد عليه قلبه، ألا وهو: إيمانه بجميع مقدمات الإلحاد دون تحليلٍ ولا تحرير!

وأحد هذه المقدمات هي صحة التطور قولاً واحدًا!

فأنت إذا أسقطت التطور أسقطت إلحاده بالتبعية، فالكائنات الحية على وجه الأرض مصدرها إما الخلق المباشر وإما التطور ولا بديل ثالث.

ولذا فنقد التطور هو نقد مباشر لعقيدة قومٍ وغرس أمةٍ من البشر تسمى "الملحدين".

وحين يأتي العلم بما لا يشتهي الغرس فإننا لا نسمع كثيرًا عن ذلك، فالأدراج لا تُفتح إلا لما يقوي الغرس، ولذا نادرًا ما تفتح الأدراج!

لكن بعض مَن يحاول أن يتحرى الإنصاف منهم قد يخرج عن النسق فيأتي بعجائب من داخل الأدراج ما كنّا لنتوقعها، ولا لنتوقع كيف يعاني هؤلاء الملاحدة مع إلحادهم وكيف أنهم يعالجون إلحادهم بين الفينة والأخرى بأصنافٍ من المعالجات فيتأبى عليهم بمرضه وعجزه!

المهم أن من جملة الذي حاولوا الخروج على النسق كان الملحد اللاأدري الشهير مايكل دانتون Michael John Denton.

ومايكل دانتون عالم كيمياء حيوية بريطاني شهير، حصل على الدكتوراة في الكيمياء الحيوية من الكلية الملكية بلندن King's College London وتفرغ للبحث في الكيمياء الحيوية والجينات في جامعات كثيرة.

ومايكل دانتون هو شخص ملحد لا أدري agnostic. -1-

وقد تبين له من خلال الأبحاث المتواصلة أن التطور بالفعل نظرية في أزمة! فقام بوضع كتابه الأشهر: "التطور: نظرية في أزمة Evolution: A Theory in Crisis".

واعتبر دانتون في كتابه هذا أن نظرية التطور في وضعها الراهن أشبه بالطعام الذي لم ينضج فحسب وإنِّما لم يُطبخ أصلًا ويراد للآخرين أكله ولو بالقوّة! -2-

فبحسب دانتون فإن أشكال الحياة كما تصفها الداروينية تعاني فعليًا من برازخ وفجوات حقيقية عملاقة، ومفاوز شاسعة (great divisions) . -3-
ويُسخف دانتون جملة ما يروج له دعاة الداروينية الجديدة مثل ترويجهم للتشابه الجيني الجزيئي بين الكائنات الحية كعلامة على حدوث التطور فيقول: "إن كل نوع من الأحياء يُعَد -على المستوى الجزيئي- فريداً ووحيداً وغير مرتبط بوسطاء. ومن ثَم فقد عجزت الجزيئات -شأنها شأن المتحجرات- عن تقديم الوسطاء الذين يبحث عنهم علماء الأحياء من دعاة التطور منذ زمنٍ طويل؛ فعلى المستوى الجزيئي، لا يوجد كائن هو جد مشترك أعلى أو كائن بدائي أو راقٍ مقارنةً بأقربائه... ولا يكاد يوجد شك في أنه لو كان هذا الدليل الجزيئي متاحاً قبل قرنٍ من اليوم فربما لم تكن فكرة التطور العضوي لتجد أي قبول على الإطلاق." -4-

وخلاصة ما ينتهي إليه مايكل دانتون في كتابه أن الداروينية بقيت كما كانت وقت داروين مجرد فرضية تخمينية من دون دعم مباشر بالحقائق وبعيدة عن أي دليل توثيقي. -5-

ومن عجيب ما يُذكر هنا أن: فيليب جونسون Phillip E. Johnson أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا –والأب الروحي لمدرسة التصميم الذكي- كان ملحدًا، لكنه ترك الإلحاد على أثر قرائته لكتاب "التطور: نظرية في أزمة". -6-

أيضًا مايكل بيهي Michael J. Behe عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي الأشهر، وأستاذ الكيمياء الحيوية بجامعة ليهاي Lehigh University في بنسلفانيا، كان ملحدًا معتنقًا للتطور لكنه تحول عن الإلحاد والتطور بالكلية بعد أن قرأ نفس الكتاب "التطور: نظرية في أزمة". -7-

ثم وضع بيهي في مرحلةٍ لاحقة كتابه الشهير: "صندوق داروين الأسود Darwin's Black Box ". -8-

إذن الهجوم المباشر على التطور ليس مِن قِبل المناوئين للنظرية كما يبدو –وكما يزعم الملاحدة- وإنما مِن قِبل المنتظمين في سِلكها أيضًا.

يقول التطوري إدوارد وايلي Edward O. Wiley أن آخر ما وصلت إليه النظرية بشأن ظهور الأنواع – الإنتواع speciation – ما يلي: "لقد قُتِلت هذه العملية -أي: الانتواع- بحثا، والحق أنَّ إشكالَ ما هو النوع، وإشكال كيف ظهرت الأنواع، بعيدان عن الحل." -9-

أما الانتخاب الطبيعي عمدة التطور وقوام النظرية وأصل الداروينية الكلاسيكية والداروينية الجديدة فلم يدخل حتى الساعة دائرة العلم التجريبي ولا العلم الرصدي وإنما تخمينات أركيولوجية – أحفورية- لا أكثر.

يقول عالم البيولوجيا التطورية والوراثة السكانية الأمريكي الشهير ويليام بروفاين Provine :"الانتخاب الطبيعي لا يعمل على أي شيء. فلا هو ينتخبُ لصالح شيء أو ضده، ولا هو يقهر، ولا يُكثّر، ولا يخلق، ولا يعدّل، ولا يُشكّل، ولا يشغّل، ولا يقود، ولا يصطفي، ولا يحافظ على شيء ما، ولا يدفَع، ولا يكيّف. الانتخاب الطبيعي لا يقومُ بشيء". -10-

وهي نفس النتيجة التي توّصل إليها الداروينيَيْن الملحدَين جيري فودور
Jerry Fodor
وماسيمو بياتيلي بالماريني Massimo Piattelli-Palmarini ، حيث لم يجدا بدًا من تخطئة داروين رأساً، وصنَّفا في تهافت مفهوم الانتخاب الطبيعي كتابهما: "الأمر الذي أخطأ فيه داروين What Darwin Got Wrong". وكان مما صدّرا به كتابهما ما يلي: "هذا ليس كتاباً عن الله، ولا عن التصميم الذكي، ولا عن الخلق. ليس أياً من أحدنا متورطٌ في شيءٍ من ذلك. لقد ارتأينا أنه من المستحسن أن نوضح هذا منذ البداية، لأن رأينا الأساسي فيما سيأتي يقضي بأن هناك خطأ ما - وربما خطأ لدرجة قاتلة - في نظرية الانتخاب الطبيعي". -11-

وهكذا يبقى التطور تصورًا حتى عند دعاته قابلاً للنقد والتحري والرصد وليس دينًا أو حِجرًا محجورًا يمتنع علينا الاقتراب منه بناءًا على رغبة الملاحدة في عدم الاقتراب منه!
ومن أجل ذلك سنعرض إن شاء الله في المقالات القادمة نقدًا متخصصًا متأنيًا للتطور بمقصلة العلم لنرى هل سيصمد أم لا!

هل سينضبط بمعايير العلم أم يتحرى التخمينات الافتراضية والاستدلالات الدائرية فينقلب من فرضية إلى علم زائف Pseudo-Science؟

هوامش المقال
----------------
1- Denton describes himself as an agnostic, and his book was released by a secular publishing house.
Evolution in the Antipodes: Charles Darwin and Australia, Tom Frame, p.291
2- Denton, M. (1985) Evolution: A Theory in Crisis, Adler & Adler (من مقدمة كتاب تصميم الحياة، دار الكاتب، ص7).
3- ibid,
4- Theory in Crisis, p.290-291.
5- Theory in Crisis, p.77
6- Berkeley’s Radical: An Interview with Phillip E. Johnson, Touchstone Magazine, 2002.
7- The Evolution of a Skeptic: An Interview with Dr. Michael Behe, biochemist and author of recent best-seller, Darwin's Black Box, 1996
8- http://www.amazon.com/Darwins-Black-.../dp/0743290313
9- Wiley, E.O. (1992) the Evolutionary Species Concept Reconsidered, p.79 (من مقدمة كتاب تصميم الحياة، دار الكاتب، ص9).
10- Provine, W.B. (2001) the Origins of Theoretical Population Genetics, p.199.
11- Fodor, J. & Piattelli Palmarini, M. (2011) What Darwin Got Wrong, p.15 (من مقدمة كتاب تصميم الحياة، دار الكاتب، ص10).

المصدر




__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس