ويسبونهم – عياذاً بالله من ذلك – وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة, وقلوبهم منكوسة; فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن؟ إذ يسبون من رضي الله عنهم, وأمَّا أهل السُنَّة; فإنَّهم يترضَّون عَمَّن رَضِيَ الله عنه, ويسبُّون من سبَّه الله ورسوله, ويوالون من يوالي الله, ويعادون من يعادي الله, وهم متبعون لا مبتدعون, ويقتدون ولا يبتدون, ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون.
وقال القرطبي في تفسيره[1] عند تفسير قوله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات : 9]: ولا يجوز أن يُنسبَ إلى أحدٍ من الصحابة خطأٌ مقطوعٌ به; إذ كانوا كلُّهم اجتهدوا فيما فعلوه, وأرادوا الله عز وجل, وهم كلُّهم لنا أئمة, وقد تعبدنا بالكفِّ عمَّا شجر بينهم, ,ألا نذكرهم إلَّا بأحسنِ الذكر; لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبِّهم, وأنَّ الله غفر لهم, وأخبر بالرضا عنهم.
1 تفسير القرطبي (16/321).
ولقد زكَّى الله تبارك وتعالى أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات في مواضع عديدة من كتابه العزيز; فقال سبحانه: فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف : 157]
وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور : 62]
والآيات في فضائلهم ومناقبهم كثيرة جليلة, وقد مدحهم وزكاهم وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواضن كثيرة جليلة, فَعَن عَمرَانَ بن حٌصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَيرُكُم قَرني, ثم الذين يَلونَهم, ثم الذين يلونهم.[1]
1 أخرجه البخاري,كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم,باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3651,3650) وانظر أطرافه في (2651), ومسلم كتاب فضائل الصحابة, باب فضل الصحابة رضي الله عنهم (2535).
وقال عمران: لا أدري أذَكَر النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ قَرنينِ أو ثلاثة... الحديث
وفي رواية له عنه رضي الله عنه: خيرُ أُمَّتي قَرني, ثم الذين يَلونَهم, ثم الذين يلونهم... الحديث.
وفي رواية عبد الله رضي الله عنه: خيرُ الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم... الحديث [1]
1 أخرجه البخاري, كتاب الشهادات, باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2652), ومسلم كتاب فضائل الصحابة, باب فضل الصحابة رضي الله عنهم (2533).
وفي رواية الإمام مسلم عن عبد الله رضي الله عنه قال: سُشِل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟
قال: قَرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم... [2] الحديث
2 أخرجه مسلم, كتاب فضائل الصحابة, باب فضل الصحابة رضي الله عنهم (2533/211).
قال النووي[3]: اتفق العلماء على أنَّ خير القرون: قرنه صلى الله عليه وسلم والمُراد: أصحابه.
3 شرح النووي على مسلم (8/314).
وقال الحسن البصري – رحمه الله تعالى – وهو تابعي كبير زاهد مجمع على جلالته وإمامته: لقد أدركنا أقواماً – أي: الصحابة- أهل القرن الأول كنا جنبهم لصوصاً.
وقال: ذهبت المعارف, وبقيت المناكير, ومن بقي اليوم من المسلمين فهو مغموم! وكان كثيراً ما يُنشد:
لَيشَ مَن ماتَ فاستراحَ بِمَيِّتٍ إنَّما الميت مَيِّتُ الأحياءِ
وقال الرَّبيع بن خُثَيم: لو رآنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لقالوا: هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب [1] !.
1 راجع: فيض القدير للعلامة المُناوي (3/479) صـ المكتبة التجارية, و الحلية (2/109,108).