عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 01-29-2017, 02:45 AM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي رد: تفريغ محاضرة "مركزية القرآن الكريم في السجال الفكري المعاصر" للشيخ عبد الله العجيري

الأسئلة:

- سؤال غير واضح..
إجابة الشيخ: نبهتني إلى قضية مهمة، أنا أعتقد أنا كتاب (النبأ العظيم) للشيخ محمد عبد الله دراز هو مشروع قرآني مذهل، وهذا المشروع لما اطَّلعت عليه وقرأته، وهو من أكثر الكتب تألـمًا على تأخر قراءتي له، فكان من النَّدامات أني ما قرأته مبكرًا، كتاب عظيم، لما قرأته ثبَّت عندي قناعة على خلاف التَّعبيرات الدارجة: (كم ترك الأول للآخر؟!)، وهذا السؤال له صفتان في التعبير عنه؛ إذا قال إنسان: (كم ترك الأول للآخر؟) كأنه يقول ما ترك شيئًا، وإذا قيل: (كم ترك الأول للآخر!) فهناك كم.
والكتاب من ميزته الروح السامية، وهناك لمسات ممكن للإنسان أن يدرسها موضوعيًا: لماذا لم تؤلف الأمة المسلمة كتابًا من جنس هذا الكتاب؟ و(النبأ العظيم) لا نظير له في تقيمي طيلة التاريخ الإسلامي، كتاب عظيم وجليل.
ومثلما ذكر الشيخ أنا أعتقد أن هذا الكتاب الجليل الذي أُوصي وأنصح بقراءته، وأعتبره أحد المؤسسات التي ترفع الإشكال التي طرحها الأخ، وهي قضية: ألا يُشكّل التساؤل احتمالية أن يفتح للإنسان إشكاليات معينة؟
قراءة كتاب (النبأ العظيم) ترسّخ حالة القناعة بأن هذا الكتاب هو كلام الله -عز وجل-، يرسّخ هذه القضية بالنسبة إليّ بشكل مذهل، وهو أفضل منتج موجود في هذا الإطار[1].
وعندنا في (صناعة المحاور) المستوى الأول، المادة الثالثة من البرنامج ما يتعلق بربانية النص القرآني، وأن الله -عز وجل- هو منزل القرآن، بل الكتاب المعتمد في هذه المادة هو كتاب (النبأ العظيم) للشيخ محمد دراز، ما وجدنا شيئًا أفضل منه.
لكن هل يُعتبر مثل هذا الكتاب نهاية المشوار؟
وعلى غرار العبارة فقد قدَّم محمد دراز بعد هذه القرون المتطاولة من حياة الأمة كتابًا ملأ فراغًا لأمر سابق، فيحتمل أن يكون هناك في الحالة الإسلامية اليوم، (فكم ترك الأول للآخر) فيستكمل لإكمال المشوار، وأنا أعضّد على كلام الأخ وضرورة تأليف ما يتعلق بالانتصار للقرآن الكريم، وغير ذلك.
- سؤال غير واضح..
إجابة الشيخ: الحقيقة باختصار؛ أن الذي يحصل داخل الخطاب الشرعي أحيانًا هناك نوع من الشحن النفسي بأهمية ممارسة فعل تعبُّدي معيَّن، المشكلة إذا لم يوفَّق الإنسان لكيفية ممارسة هذا الفعل التعبدي، فأحيانا لا يستطيع أن يفعله؛ يعني أنت بحاجة إلى معالجة مسألتين، مثلًا من جنس العبوديات؛ الله -عز وجل- لا يتقبل عملًا صالحًا ما لم يكن متوافرًا فيه الإخلاص والمتابعة.
فأنت تستطيع تنوي الإخلاص بما يتعلق بهذه القضية، تستطيع أن تخلق الحافزيَّة بما يتعلق بفعل التدبر، لكنك لم توفّر لي الأداة التي أستطيع من خلالها أن أتدبر، ما المأزق الذي حصل؟ أقول لك على المستوى النفسي أني بدأت أقرأ: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، ولم أجد كبير فرق بين ختمة التدبر التي أبتغيها وبين التلاوة العادية للقرآن الكريم.
الفارق الذي حصل لما تنبَّهت أن أحد أدوات التدبر (السؤال)، صار الإنسان يتعامل مع النص القرآني بطريقة مختلفة، وذكرت لكم مثالًا، أن الإنسان ابتدأ من أول وهلة: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ تعاطيه مع هذه الجملة بطريقة مختلفة.
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ لماذا قال (الحمد)؟ ما معنى (الحمد) أصلًا؟ هل الحمد معناه الشكر؟ هل معناه المدح؟ فترجع.
﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ لماذا اختار (الرحمن الرحيم)؟
فتبدأ تولّد السُّؤالات وترجع لإجابات أهل العلم.
العلماء يقولون مثلًا في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، فالعلماء يتحدَّثون أنه ما قال: (نعبدك ونستعين بك) وقدَّم (إيَّاك) للدلالة على الاختصاص؛ أننا لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك.
فلاحظوا الآثار الإيمانية التي تتخلَّق من هذه القضية، أننا لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك؛ هذا مدلول إيماني تعبُّدي عميق جدًا.
﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ لماذا لم يقل: (غير اليهود والنصارى)؟ لماذا لم يقل: (غير الذين غضب الله عليهم)؟ لماذا قال: (المغضوب عليهم) ثم عبَّر بـ(الضَّالين)؟ المغضوب من جهة الله -عز وجل- والضالين ممارسة فعلية هم وقعوا فيها. فتلاحظ المسألة.
مثلًا: ما معنى (آمين)؟ ما علاقتها بـ(اللهم استجب)؟ ما هو الاقتران اللغوي بين الطرفين؟
تفتُّح هذه الآثار الذي خلقه بالنسبة إليّ هو السؤال، فبدأ الإنسان يقرأ القرآن قراءة مختلفة.
- سؤال غير واضح..
الشيخ: هناك كتب متعدّدة، المهتم بعلم مفردات القرآن الكريم هناك كتاب الراغب الأصفهاني، وهناك كتاب آخر اسمه: (السراج في غريب القرآن الكريم) للشيخ محمد الخضير، وبالجملة هو كتاب جيد. وبالجملة الكتب المؤلفة في غريب القرآن كثيرة جدًا ومفيدة.
- سؤال غير واضح..
الشيخ: تعليقك ما شاء الله موفَّق، والملحظ الذي أبديته في غاية النَّفاسة؛ قضية (القرآن الكريم) وجزء من كلمة الكرم هو كرم القرآن في إبداء معانيه، وعلماء السلف يعبّرون أن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي فوائده..
- سؤال غير واضح..
الشيخ: جميل، طبعًا نحن في المقابل ليس عندنا دلالة أن النبي ﷺ كان يمارس هذه القضية على سبيل الدَّيمومة، وأنا أقول أنَّ من المحتمل أن النَّص القرآني كان محدودًا، وكان عند النبي ﷺ مادة الحفظ، فلما بدأ يتكاثر عليه هذا النص القرآني صار يتخوَّف من التَّفلُّت فيحرص على نوع من أنواع الحفظ الذي يمارسه ابتداءً..
فالشاهد الذي يحل الفكرة أنه لا يوجد دليل شرعي يبيّن أن النبي ﷺ لحظة تنزُّل ﴿ اقْرَأْ ﴾ كان يمارس هذا الفعل، وأن الذي عندنا أن هذا وقع في أثناء تلاوة جبريل له في سورة القيامة، فلعلَّ أن هناك أمرًا طرأ واستجد، أقول (لعل) لأنه ليس لدينا ما يحدّد الإجابة.
سيطرأ الإشكال لو قيل أن هذا الأمر كان يجري من النبي ﷺ، فيقال: فلماذا تأخر التنبيه على ذلك إلى سورة القيامة؟ فنحتاج أن نفتّش عن إجابة، لكن لا يوجد عندنا دليل، لا بالسَّلب ولا بالإيجاب، فليس عندنا دليل يقول أن النبي ﷺ لم يكن يفعله إلا في هذه السورة، ولا عندنا في المقابل دليل أن النبي ﷺ كان يفعله على الديمومة.
ففي هذه المسألة لا يستطيع الإنسان أن يفرض الاستشكال، لأنه ليس عندنا دليل أن النبي ﷺ كان يمارس الدور في كل تفاصيله..
- سؤال غير واضح..
الشيخ: كما ذكرت في البداية أنَّ أحد الاتجاهين الفقهيين المعتبرين، والذين ليس بينهما تنافر حقيقي، أن القرآن الكريم من عظمته ومن عظمة الله -تبارك وتعالى- بمجرد تلاوته وجريانه على لسان العبد هو مما يصب في ميزان حسنات العبد، ولم أقصد التنقُّص من هذه القضية، أن النبي ﷺ ينبهنا : "من قرأ حرفًا من كتاب الله.." هذا يدل على شرف تلاوة النص القرآني، ولذا الأعاجم حين يجاهدون أنفسهم ويتلون كتاب الله -تبارك وتعالى- حتى لو لم يكونوا يدركون العربية يُرجى لهم ثواب الله -عز وجل- وأجره، هذا مقام تعبُّدي ليس القصد الانتقاص منه.
لكن كما ذكرته، وهذه المسألة موكولة لأهل العلم، ولكن أنا أعتقد في دائرة العيب –حتى نتحرَّر من الحرمة في إطلاق الأحكام التكليفية-؛ أنه مَعيب بالإنسان أن يتلقَّى كلامًا أو يجري على نفسه كلام وهو ابن العربية، ويصير كحال الأعاجم لا يعرف معناه، وهو عنده المقدرة أن يعرف ..
يعني أليس معيبًا أن الإنسان حين يقف في صلاته بين يدي ربه -تبارك وتعالى- في التشهد الأخير ويقول: (التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورجمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد...)، ولا يفهم معناها، أو لما يستفتح ويقرأ: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك)، فتجد من يقول (جِدك) وهي (جَدك) لكنَّنا مُبتَلون بنوع من أنواع عُجمة اللسان..!
لكن الفكرة ليست واضحة عندي تمامًا بما يتعلَّق بتحرير دائرة الحكم، على الأقل أن في هذا المقام نقص كبير، مثلما عبَّر الشاعر:
ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا .. كنقص القادرين على التَّمامِ
والتمام في هذه المسألة يمكن بالقوة القريبة، يعني بمجرد فرض السؤال سيُفضي بك إلى المعنى، وتنتقل من دائرة الجهل إلى دائرة العلم بكتاب الله -عز وجل-.
- سؤال غير واضح..
الشيخ: جميل، هو في النهاية أحد أدوات التعلم الأساسية الـمُدرَكة عند الناس هي (أداة التساؤل)، حتى من التعبيرات أنه: "لا يطلب العلم متكبّر ولا مستحٍ"، كِلا الرجلين عنده أزمة السؤال؛ المتكبّر لتكبُّره لا يرى أن يطرح السؤال على من دونه، والمستحي لحيائه لا يطرح السؤال.
أين منطقة الإشكال الموجودة عندنا؟ الذي أراه أن مشكلتنا في التعاطي مع النص القرآني هي أن نجعله في مكان معيّن ولا نطبق عليه جملة من تقنيات التعلُّم التي نطبقها في حياتنا المعاصرة..
فالتدبر ليس أداة أجنبية، لكن أين التنبيه؟
الآن كم من طلبة العلم والباحثين الذين يكتبون أبحاثهم؟ وأنا عبَّرت عن هذه الحقيقة، عندنا العشرات، والباحث مستعد لأن يرجع لمطوّلات الكتب، لكن لا يخطر في باله أن يأتي إلى آيات القرآن الكريم ويجعل القرآن الكريم مرجعًا حقيقيًا في عمليته البحثيَّة، أن يرجع للقرآن كما يرجع لأي كتاب..
يعني أليس من المعيب والغريب والعجيب أن يأتي عبد الله العجيري يريد أن يبحث في مسألة معينة ثم يفضي إلى (مجموع فتاوى ابن تيمية) وهو مستعد أن يقرأ الـ37 مجلدًا، ولا يخطر بباله أن يرجع للقرآن الكريم!، مع أن القرآن الكريم هو القضية المتماسَّة الرئيسية الأولى، والمرجع رقم واحد لتشكيل تصوُّرات الإنسان العقديَّة.
فهل هذه الأداة يمكن أن يوظفها الإنسان في التفسير؟ أقول يستطيع توظيفها فيما هو أعم من التفسير، في التفسير، في الفقه، في الحديث، في العلوم الإنسانية.
يعني أحد وجوه استيعاب النص الذي أمامك أن تفرض عليه سؤالات وتتطلَّب جوابات هذه السؤالات، من خلال المؤلَّف نفسه أو ما يمكن أن يطرح خارج هذا المؤلف.
- سؤال غير واضح..
الشيخ: أنا أذكر أنني تعرفت في محاضرة على أحد الشباب المصريين كان يدير المسألة هذه، وطرح محاضرة في علاقة النص القرآني بما يتعلق بهذا الأمر على وجه الخصوص، وهل يمكن التأليف بهذه المسألة؟ أنا أعتقد نعم؛ أن أمهات أدلة وجود الله -سبحانه وتعالى- والجدل الفلسفي وحتى ما طرحته أنا في (شموع النهار) هو في مآله ومرجعه لا يختلف عن مدلولات الأدلة الموجودة في النص القرآني.
يعني مثلًا من الدلائل العقلية الأساسية الدالة على وجود الله -تبارك وتعالى- دليل الخلق والإجاد، ودليل الرعاية والعناية والإحكام، وكلا الدَّليلين موجود في النص القرآني، موجود بطريق سهل قريب فطري عقلي يستطيع الإنسان أن يتلقَّه بشكل مباشر، ونحن نستطيع أن نضع حواشٍ على دلالة النص القرآني.
دلالة الفطرة كذلك موجودة في النص القرآني، فهل يمكن الكتابة البحثية؟ أنا أظن أن هذه أحد المشاريع التي يمكن للإنسان أن يفضي ويُسهم بها في معالجة ملف الإلحاد ما يتعلَّق بهذه القضية. وعلى المستوى الشخصي ذكرت أن ميزة النص القرآني في معالجة هذه القضايا أنه لا يقدّمها في قوالب علمية معرفية جافة، وإنما في قالب يخاطب عاطفة الإنسان وإيمان الإنسان وعقل الإنسان وكينونته.
أنا أدخل في كثير من الجدالات مع الشباب والملاحدة وهكذا، ودائمًا لما أخرج هناك نوع من أنواع التوتر والقلق والاضطراب، ليس عائدًا للتوتر أمام الشبهات والإشكاليات، لكنه نوع من الضيق، وحتى أهلي يُدركون هذه المسألة من خُلقي -كما يقال-، يعرفون دائمًا أن هناك أمرًا، والذي يُعيد حالة التوازن لنفسي على المستوى الشخصي ويعيد حالة الطمأنينة هو أن أفضي إلى القرآن الكريم تاليًا منه بعض الآيات القرآنية، فوالله العظيم كأنما أنشط من عِقال..
وذكرت في آخر (ميليشيا الإلحاد) أهميَّة جعل القرآن الكريم مركزًا في التصورات العقدية، وأن معالجة هذه القضية ليست أجنبية، ذكرت بعض الآيات القرآنية المؤثرة على المستوى الشخصي بما يتعلَّق بملف الإلحاد.
فأنا أؤكّد على أهمية هذا المشروع، وأن عامة المشاريع الإسلامية يُفترض أن يكون مُنطلقها أصلًا من الهِداية القرآنية بما يتعلَّق بهذه القضية القرآنية.
- سؤال غير واضح..
الشيخ: بالنسبة لما يتعلَّق بالآية القرآنية المقصودة، في بدايتها يقول الله -عز وجل-: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ ﴾ (السَّبب) معناه الحبل؛ أي يمد حبلًا ويشنق نفسه، معنى الآية: أن من كان متشكِّكًا بنصر الله -تبارك وتعالى- فلينتحر ويشنق نفسه، ويستطيع الإنسان أن يرجع لكتب التفسير.
بالنسبة للسؤال الأول ما يتعلق بقضية المجاز؛ أنا أول ما قلت: (المجاز)، قلت: هذا ملف طويل!، وفيه جدل طويل، ويفتح جدالًا واسعًا جدًا، وفي مؤلفات وكتب وجدل واسع.
فأنا النسبة إليّ المقاربة الحقيقية لهذه المسألة أنها رؤية اجتهادية مقبولة بجملة منها، الجزء الأكبر منها ما يتعلق بإشكالية لغوية معينة فيها رؤيتان بما يتعلق بهذه القضية؛ هناك رؤية ترى أن المجاز له حضور فيما يتعلق باللغة العربية، فبالتالي له حضور في النص القرآني، وله حضور في النصوص النبوية.
ورؤية ترى أن ثمة إشكال معرفي فيما يتعلق بالمجاز، وطبعًا أشهر الأعلام الذين تبنوا هذه الرؤية هو ابن تيمية..
وحتى يتَّضح الأمر؛ إحدى المغالطات المتوهَّمة أن المجاز مُقترن ضرورة بحالات التأويل الكلامي على سبيل المثال، في حين يقابله حالة متمنِّعة من المجاز، ويوجد من أبنائنا ومن علماء السلف من يتبنى رؤية كرؤية ابن تيمية في قضية الأسماء والصفات وهو يؤمن بقضية المجاز ودافع عنها مثل ابن قتيبة، ويوجد من المتكلمين من يتأول الآيات القرآنية مثل أبو إسحاق الإسفارييني ممن يُبطل المجاز.
فليس هناك ارتباط ضروري عقدي بين تبني المجاز ورفضه وأثره وانعكاسه على قضية التأويل.
ابن تيمية طبعًا هو المنظّر الأشهر لرفض المجاز، توسَّع ونقل عنه الإمام ابن القيم في (الصواعق المرسلة) والذي حفظ كلامه في المجاز في (مختصر الصواعق)، أهم الإشكاليات الموجودة عند ابن تيمية، وهذه المسائل تحتاج إلى تحريك الذهن؛ أن التيار السائد عربية والتيار الأكثر حضورًا علميًا هو التيار المتبنّي للرؤية المجازية، والذي يعبّر عنه ابن تيمية هو الرؤية الأقل، وبالتالي أذكر الإشكال الـمُورَد على الكلام الأكثر: ابن تيمية وجهة نظره وإشكاليته تعود إلى عدة معاملات، من أهمها:
المعامل الأول: إشكالية في طبيعة الوضع اللغوي، فابن تيمية عنده إشكال في أصل وضع اللغة، وأنه لا يوجد دليل على فكرة الوضع الأول، فلما يأتي المجازيون ويقولون مثلًا: أن (الأسد) في أصل الوضع الأول على الحيوان الجارح، وهو مجاز في الرجل الشجاع. فابن تيمية يقول: من أين لكم الدراية والعلم بأن الوضع الأول كان كذلك؟ كأن الصورة أن العرب اجتمعوا فنظروا للحيوان هذا فقالوا سوف نسميه (أسدًا)، ثم لما لاحظوا الشجاعة عند الإنسان قالوا: نسميه أسدًا..
ابن تيمية يقول: ما المانع عقلًا أن تكون المسألة مقلوبة؟؛ أنه كان عندهم في أصل الوضع الأول أن الأسد معناه الشجاع، فلما رأوا أن هذا الحيوان شجاع سموه أسدًا، فعنده إشكالية في طبيعة الوضع الأول.
وأوضحها بشكل أوضح وهو موطن طرافة؛ عامة المجازيين يرون أن كلمة (الغائط) هي حقيقة في المكان المنخفض، وهي مجاز في الخارج المستخبث. طيب لماذا استخدم العرب هذا؟ لأنهم يريدون أن يكنُّوا عن الخارج المستخبث قالوا (غائط)، فكأنك حين تقول كلمة (غائط) العرب ينصرف ذهنها مباشرة إلى المكان المنخفض، وبعد ذلك بدل المقصود للتعبير عن الخارج المستخبث، ولاحظوا تأدب العرب الذي كان جاريًا.
المشكلة الآن في فكرة التواضع أن المعنى الذي يقفز للذهن عند قول (غائط) هو الخارج المستخبث، فانقلبت المسألة، وهذه إشكالية في تحرير وتحديد ما هو الوضع الأول.
خذوا ما هو أطرف؛ الإمام الطوفي -عليه رحمة الله- وهو يتبنَّى الرؤية المجازية في كتابه (شرح مختصر الروضة)، قال: الغائط في العربية في أصل الوضع الأول هو الخارج المستخبث، ولأنها يُقذف بها في المكان المنخفض سموه غائطًا مجازًا. فلاحظوا أنه يقع أحيانًا عندنا اضطراب في تحديد ما هو الوضع الأول؟
فهذه إحدى الإشكاليات الموجودة عند ابن تيمية.
الإشكالية الثانية الأكثر خطورة عند ابن تيمية، وهو يقدم نظرية بديلة وهي (نظرية السياق).
مشكلة ابن تيمية مع المجازيين أنهم يقولون: "الكلام إذا تجرَّد عن القرينة انصرف إلى الحقيقة، فإن وُجدت القرينة انصرف إلى المجاز".
ابن تيمية يقول: الكلام كله لا يخلو عن قرينة، لا حقيقة ولا مجازًا؛ فالحقيقة كل المجاز تستلزم القرينة، ويقول أن اللفظة المجردة لا تدل على معنى ما لم تُوضع في سياق.
يعني لو قلت لكم الآن: (عين)، ما الذي انقدح في ذهن الجميع مباشرة؟ العين الباصرة، طيب هل فيكم أحد يستطيع أن يقسم بالله العظيم أن المعنى الذي قصدته لما قلت: (عين) هو العين الباصرة؟ كيف تستطيع إدراك ما الذي قصدته من هذه الكلمة؟ من خلال وضعها في سياق.
فابن تيمية يرى أن (عين) ليس لها معنى، بمعنى أن معناها يتفاوت بحزمة من المعاني التي لا نستطيع تحديدها، لكن إذا وضعتها في سياق واستكشفت القرينة الدالة على معناها -سواء حقيقة أو مجاز- يتبيَّن لك.
وهناك إشكاليات طويلة عريضة لا أريد إشغال الأحبة بها..
- كيف نبحث عن إجابات الأسئلة والإشكالات التي ترِد علينا؟ لأن بعض التفاسير قد لا تفصّل في الإشكال المطلوب؟
الشيخ: الفكرة باختصار شديد؛ أن كتب التفسير ككتب العلوم فيها المختصر وفيها المتوسط وفيها المطوَّل، ويجب أن ينتبه الإنسان إلى أن مناهج المفسرين متفاوتة بحسب طبيعة الانشغال، من أشهر التفاسير على سبيل المثال: (تفسير الحافظ ابن كثير) ما هي أهم ميزة في هذا التفسير؟ أن الحافظ ابن كثير منصرف إلى حشد أكبر قدر من الأحاديث النبوية المتعلقة بتفسير الآية، هذه الميزة المركزية في تفسير الحافظ ابن كثير.
ما هي الميزة الأساسية مثلًا لتفسير الإمام القرطبي؟ أنه (جامع لأحكام القرآن)، مهتم بالأحكام الفقهية.
ما هو التميز الأساسي لتفسير (الكشاف للزمخشري)؟ التفسير البلاغي للقرآن الكريم.
ما هو الامتياز الحقيقي الموجود في (زاد المسير للحافظ ابن الجوزي)؟ أنه جامع للأقوال، لا يكاد يشذ قول مذكور في كتب التفسير على جهة الاختصار..
(تفسير الإمام الطبري) فيه جوانب عبقرية في عملية الترجيح بين الخلافات، وعنده حشد مُسند للآثار.
(الدر المنثور للسيوطي) هو مستودع الآثار المنقولة عن السلف الصالح فيما يتعلَّق بتفسير الآيات القرآنية.
إذا أدرك الإنسان هذه المنهجيَّات يستطيع الإفضاء إلى الإشكاليات بحسب طبيعة الانشغال؛ فإذا وقف على إشكال يتصل بالإشكال الفقهي فمظنَّة الرجوع للبحث عن هذا الإشكال هو (الجامع لأحكام القرآن).
إذا عنده سؤال فيما يتعلق بالجانب البلاغي للقرآن الكريم عندك تفسير (الكشاف)، وعندك تفسير الطاهر بن عاشور عنده إبداعات بما يتعلق بهذا المجال، وهكذا..
فالشاهد أن الأخت لما تقول: (لأن بعض التفاسير قد لا تفصّل في الإشكال المطلوب) هذا عائد للرجوع إما للمختصر أو المتوسط أو إلى غير المشتغل بالباب، أما الإفضاء إلى المطوَّلات فأنا أزعم أني لم أقف على إشكالية إلا ووجدت جوابًا عنها في المطولات التفسيرية، وقد يوجد في مختصره أو متوسطه فلا يخلو، فيحتاج الإنسان إلى نوع من أنواع التوازن..
وهناك كتب متعدّدة عن مناهج المفسرين، ومن أشهر الكتب المعتمدة أكاديميًا (التفسير والمفسرون) للشيخ الذهبي -عليه رحمة الله-، كتاب مدرسي مشهور، (..)، والشيخ مساعد الطيار أذكر أنني حضرت له دورة علميَّة فيما يتعلق بمنهج المفسرين، ولكن لا أعلم هل فُرِّغت المادة أو ألَّف فيها كتابًا..

- نصيحة بكتب وتفاسير اعتنت بجانب التدبر والفوائد القرآنية؟
(...)، (المعين على تدبر الكتاب المبين) لمجد بن أحمد مكي.
- سؤال يقول: ما علاقة قول الله تعالى في سورة النساء: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ ما علاقة اليتامى بالزواج في نفس الآية؟ أتوقف هنا كثيرًا ولا أعرف معناها..

الشيخ: يستطيع الإنسان أن يفضي إلى الجواب من خلال الرجوع إلى كتب التفسير، والمفسّرون عالجوا هذا الأمر معالجة مشهورة، من أحد الأقوال أن من تورُّع الصحابة بما يتعلَّق بأكل مال اليتيم، وأن أكل مال اليتيم من أكبر الإكبار، ومن يأكل مال اليتيم يأكل في بطنه من نار جهنم، كانت هناك حالة من التخوف والتورع من الزواج منهن خشية ظلمهن، فالله -عز وجل- يقول: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾، بعض المفسرّين يقول: فانكحوا ما طاب لكم من يتامى النساء، فهناك أقوال متعددة.

الشاهد محل هذه الإشكالية هو سبب النزول، فالرجوع إلى كتب التفسير يحل الإشكال..

فالدعوة إذا خطر الإشكال إلى أن لا يؤخّر الإنسان البحث عن إشكاله، تستطيع الرجوع لكتب التفسير وستفضي إلى معارف وعلوم كثيرة متنوعة..
- كيف نفهم في القرآن في قصة عزير أن أوَّلها: ﴿ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ وفي نهاية الآية يقول: ﴿ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾؟

الشيخ: واضح الجواب، والقصة أصلًا سيقت للتَّدليل والبرهنة على كمال عظمة الله -تبارك وتعالى-، الرجل طرح التساؤل: ﴿ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ فأماته الله مائة عام ثم بعثه؛ الطعام لم يتغير، الحمار تغير، انكشف له عظيم قدرة الله -تبارك وتعالى- الذي قدر على المحافظة عليه وعلى الطعام مائة عام، ثم ابتعثه وأحياه بعد مائة عام، قطعًا وجزمًا أنه قادر على إحياء الأرض الميتة بعد موتها، فقال: ﴿ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
.. هذا ما تيسَّر ذِكره ..
.. أسأل الله -عز وجل- لي ولكم التوفيق والسداد ..

مع تحيات فريق مشروع التفريغ, لمزيد من المعلومات الرجاء زيارة هذا الرابط

----------------------
[1] كتاب (النبأ العظيم): http://books.islamway.net/1/15_MDarrz_NabaAdheem.pdf

__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس