أداة عقد المقارنات
ومن الأدوات التي يمكن أن تُطرح سريعًا في هذا الإطار: أداة عقد المقارنات في إطار النص القرآني، وأذكر مثالًا في المجال الفكري والمجال الإيماني والمجال التعبدي؛ واعقدوا مقارنة بين هذه الآية، وهو فرع عن عملية التساؤل؛ لما يقرأ الإنسان هذه الآية في منظور آية آخرة يتساءل لماذا فرَّق الله -عز وجل- بين هذه الآية وتلك، يقول الله -عز وجل-: ﴿ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾، ويقول الله -عز وجل-: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾، ما وجه المقارنة بين القضيتين؟ وما أثرها في أحد السجالات الفكرية المعاصرة؟
ما وجه الارتباط بين الآيتين في ظل عقد المقارنة؟ وما أثرها على أحد السِّجالات الفكرية المعاصرة الكبيرة جدًا؟
لاحظوا أنه في الآية الأولى يقول الله -عز وجل-: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ وهو يخاطب قومًا مذنبين عصاة، وفي الآية الثانية يخاطب قومًا مذنبين عصاة وقال -عز وجل-: ﴿ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾، واضح أن الله -عز وجل- لم يتعاطى مع هؤلاء تعاطيه مع الطائفة الأولى. فما هو الفرق بين الطائفتين؟
الاعتراف؛ في الآية الأولى يقول: ﴿ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ﴾، فهناك فرق هائل كما بين السماء والأرض -كما يقال- بين من يرتكب الذنب والمعصية معترفًا بالذنب والمعصية وافتقاره إلى ربه -تبارك وتعالى- ورجائه فيه -تبارك وتعالى-، ويخلط بين عمل صالح وآخر سيء، فانظر لرحمة الله -تبارك وتعالى- يقول: إذا تحقق منك فعل الذنب في حال اعترافك به فوضعك أفضل بكثير جدًا ممن يمارس الذنب والمعصية منظرًا لها مصرًا عليها، غير معترف بالذنب والمعصية.
لاحظ: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ﴾؛ ما هي الإشكالية؟ ليست الإشكالية أنهم وقعوا في ذنب ومعصية معترفين بها، بل كأنهم يخادعون الله -عز وجل- ويحتالون عليه -تبارك وتعالى-.
لاحظوا أنه عندما يكون عندنا في المجال الفكري على سبيل المثال محاولات للَبْرَلَة الإسلام، محاولة قراءة النص القرآني قراءة تأويليَّة معيَّنة، هؤلاء وضعيَّتهم أخطر من وضعية عبد مسلم مؤمن يقارب الذنب والمعصية مستحضرًا أنها ذنب ومعصية.
لاحظوا هذا مثال والأمثلة كثيرة ومتعددة جدًا..
أداة: تحزيم الأدلة
من التطبيقات والتمثيلات على سبيل المثال فكرة أسميها: تحزيم الأدلة، يعني إحدى الأدوات التي استعنت بها بما يتعلق بالنص القرآني بما يتعلق بالمجالات الفكرية المعاصرة.
مما يزيد من موثوقية الإنسان وقناعته وطمأنينته إلى كثير من الملفَّات الفكرية المعاصرة أن يتنبَّه أنَّ جوابات القرآن الكريم قد تكون أوسع دائرة من أدلة تفصيلية فرعية.
أحيانًا حتى يُفضي الإنسان للقضية الإيمانية في نفسه على النحو المطلوب يحتاج أن يحزّم الدلالة، بمعنى آخر قد تلاحظون آيات معيَّنة متقاربة الدلالة، فيضعها في إطار واحد، ثم آيات أخرى تعضّد القضية الأساسية لكن من جهة أخرى، بحيث أنه بعد فترة تتشكَّل القناعة في ضوء تقريرات مسبّبة للإيمان أوسع بكثير من مفردات الدلائل.
فميزة تحزيم الأدلة أن يكون عندنا نوع من أنواع الأدلة ينضوي تحت لوائه عدد من أفراد الأدلة، بحيث لما تبني القضية على أنواع الأدلة حتى لو أتاك التشكيك في أحد أفراد الأدلة تستطيع استبقاء النوع، وحتى لو قُدِّر للنوع أن يخرج ستبقى بقية الأنواع قائمة لتثبيت القضية.
فأحد الأشياء التي يمكن للإنسان أن يتعاطى مع النص القرآني في ضوئها مثل هذه القضية، وهناك بعض القضايا المتعلقة بهذه المسألة لكن أظن من المناسب أن نتوقَّف هنا..
وأسأل الله -عز وجل- أن يكون فيما قيل نفع وفائدة.. والله يحفظكم ويرعاكم...
وإذا كان هناك أي تعقيب، فالقلب والصدر واسع لسماع ملاحظات الإخوة..