وعلى هذا فإن تلقي العقيدة الإسلامية سواء أصولها الكبرى أو مسائلها التفصيلية يجب ألا يتجاوز طريقة السلف في الأخذ عن الكتاب والسنة وفق فهم السلف الكلي المنهجي لهذين المصدرين, وهو ما يمكن تلخيصه في النقاط التالية:
َ
1- الأخذ بظواهر القرآن والسُنَّة: الأصل أن يُفهم القرآن والسنة بمقتضى ظاهر لغتهما العربية; كما هي طريقة السلف.
قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف : 2]
وقوله: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر : 27-28]
وقوله: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء : 192-195]
وقوله: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء [فصلت : 44]
ومن ادعى فهم شيء من القرآن أو السنة على خلاف ما دل عليه ظاهر اللغة فعليه إثبات ذلك بدليل معتبر شرعاً, من آية محكمة, أو حديث صحيح صريح, أما صرف اللفظ عن ظاهره لمجرد المعارض العقلي المتوهم وتأويله بخلاف المتبادر من سياق الكلام فيدخل في تحريف الكلم عن مواضعه, الذي عابه القرآن على أهل الكتاب.
2- اعتبار حجية الثابت من السنة النبوية المشرفة دون الضعيف: فيجب قبول مضمون الرواية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب القواعد التي سار عليها علماء الحديث ولو بأدنى درجات الثبوت, وهو يسميه علماء مصطلح الحديث: "حسن لغيره"[1], مع مراعاة تأثير التفاوت بين درجات الثبوت في قيمة المسألة العقدية وتقييم المخالفة فيها, وقد أجمع السلف رحمهم الله على اثبات المسائل العقدية بحديث الآحاد[2].
3- الجمع بين العقل الصريح والنقل الصحيح: يستقل العقل بالدلالة على أصل الربوبية والنبوة, ودلالته على ذلك قائمة بنفسها مستغنية عن القرآن والسنة, بل هي بهذا الاعتبار أصل ثبوتهما, إلا أن العقل الصريح بعد اثباته النبوة لا ينفرد بتأسيس عقيدة تفصيلية لم يصرح بها القرآن أو السنة الصحيحة, بل لا توجد مسألة عقدية يمكن أن يثبتها العقل إلا وفي القرآن والسنة تنبيه عليها[3], وضابط صراحة العقل فطريته واتفاق العقلاء عليه, كالقول بأن الأثر يفتقر إلى مؤثر, وبأن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان, وعلى هذا يلزم التوافق بين العقل الصريح والنقل الصحيح من القرآن والسنة; لأن العقل الصريح قد شهد بعصمة النقل الصحيح كما هو معلوم من دلائل النبوة اليقينية, فيمتنع بعد ذلك أن يكذبه, لكنه قد يعجز عن إدراك كثير من حقائق ما جاء به النقل, ويحار لها ويعجب منها تعظيماً لا تكذيباً, والشرع يأتي بمحارات العقول ولا يأتي بمحالاتها[4], وهكذا القول في دلالة الحس; فإنها تابعة لدلالة العقل; لأن الحسن مجرد أداة للإدراك العقلي.
4- اعتبار حجية إجماع الصحابة رضي الله عنهم: لقوله صلى الله عليه وسلم[5]: لا تجتمع أمتي على ضلالة, وقول ابن مسعود رضي الله عنه[6]: ما رأه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن, وما رأوه سيئا فهم عند الله سيىء.
وهو مصدر غير مستقل عن القرآن والسنة, لكنه مبين لتعيين دلالتهما على أمرٍ ما; لذلك كان لا بد لأي إجماع من مستند من نصوص القرآن أو السُنَّة[7], كإجماع الصحابة على بيعة أبي بكر رضي الله عنهما, استنادا إلى قوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى : 38]
---------------------
1 انظر: عنه "شرح نخبة الفكر" 247, لملا علي قاري.
2 انظر: قواطع الأدلة في الأصول لأبي المظفر السمعاني [ت489] 1/ 356
3 انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/ 88.
4 انظر: ابن تيمية, الفتاوى الكبرة 2/ 311
5 رواه أبو داود وغيره, وهو صحيح بشواهده, انظر تذكرة المحتاج لابن الملقن تحقيق حمدي السلفي 1/ 50.
6 أخرجه أحمد في المسند 1/ 379, وغيره.
7 انظر: المسودة في أصول الفقه 403.