عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 06-03-2016, 12:36 AM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
افتراضي رد: تسهيل دورة البناء العلمي


بسم الله الرحمن الرحيم


‫#‏الدرس‬ [8]


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم ممن إذا أُعطِيَ شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنَّ هذه الثلاث عنوان السعادة. اللهم آمين.

في هذا اللقاء وهو الدرس الثامن من دروس البناء العلمي، والتي تُقدَّم من خلال هذه الدورة العلمية نتحدث -بإذن الله عز وجل- عن موضوعٍ أعتقد أنَّ كلَّ مَن يروم طلب العلم الشرعي ويقصده لابُدَّ أن يقرأ في هذا الموضوع، ولابُدَّ أن يبني فيه نفسه بناءً علميًّا سليمًا صحيحًا.

انتهى حديثنا عند ذكر الآداب ...

وحينما نتحدَّث عن الأدب فأول ما نتحدَّث عنه هو أدب العبد مع ربِّه -سبحانه وتعالى- فكيف يتأدَّب العبدُ مع ربِّه -عز وجل؟

بثلاثة أمورٍ:

الأمر الأول: صيانة مُعاملته لله أن تشُوبها نقيصةٌ، فإذا قمتَ إلى الصلاة فأدِّ الصلاةَ كما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنَّه قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».

إذن: التَّأدُّب مع الله -عز وجل- أولًا: أن يصون العبدُ معاملته لله أن تشُوبها نقيصَةٌ.

الأمر الثاني: أن يصون قلبَه عن التَّعلق بغير الله.

والأمر الثالث: أن يصون إرادته أن تتعلَّق بما يمقته الله -عز وجل- عليه، فلا تكون إرادتُه في عمل السُّوء، ولا تكون إرادتُه في تتبع الفواحش، ولا تكون إرادتُه في تتبع العَثَرات؛ وإنَّما تكون فيما يُقرِّبُه من ربِّ الأرض والسماء.

إذن هناك ثلاثة أمورٍ مَن أتى بهن فقد أتى بالأدب من الله -عز وجل:
الأمر الأول: أن يصون العبدُ مُعاملته لله عن أيِّ نقيصةٍ.

الأمر الثاني: أن يصون قلبَه عن التَّعلُّق بغير الله.

والثالث: أن يصون إرادته عما يمقته الله -عز وجل- عليه.

مَن أعظم الناس أدبًا مع الله؟

هم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام.

تأمَّل هذا الخطاب القرآني العظيم، حينما يقول الكريم -عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ[المائدة: 116] هذه ماذا؟ استفهام، فالله -عز وجل وهو أعلم – يقول: ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ، فلم يقل عيسى -عليه السلام: لا، وإنَّما ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ انظر إلى الأدب، ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾، ثم عظَّم الله فقال: ﴿إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ، ثم عظَّمه فقال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ، ثم أجلَّه فقال: ﴿إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، ثم بيَّن له فقال: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ[المائدة: 117]، فهذا أيضًا من الأدب مع الله -عز وجل.
وإبراهيم -عليه السلام- قال: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ[الشعراء: 79، 80]، فإنَّه لما أتى بالمرض لم ينسبه إلى الله -عز وجل- وإنَّما نسبه إلى نفسه.

إذن هذا نوعٌ من أنواع الأدب التي يجب أن يُراعيها المسلم، فضلًا عن طالب العلم.

الأدب الثاني: الأدب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فالله -عز وجل- يقول: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح: 8، 9]، إذن تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- وإجلاله هو من دين الله -سبحانه وتعالى- الذي يجب علينا أن نحرص عليه، فيُعظَّم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وكذلك كما يقول القاضي عياض -رحمه الله: "وحتى بعد موته" -عليه الصلاة والسلام.

قول الله -عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات: 1] يشمل حياته وكذلك بعد مماته -صلى الله عليه وسلم- فلا نُقدِّم على قول النبي -صلى الله عليه وسلم- قول أحدٍ كائنًا مَن كان، ولا نُقدِّم كذلك أهواءنا ورغباتنا؛ بل نُقدِّم أمر الله وأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم.

مَن أعظم الناس أدبًا مع النبي -عليه الصلاة والسلام؟

الصَّحابة -رضوان الله عليهم.

فالعباس بن عبد المطلب عمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قيل له: أيُّهما أكبر أنت أم النبي -صلى الله عليه وسلم؟ فقال -رضي الله عنه: "هو أكبر مني، وأنا وُلدتُ قبله".

ويقول بعضُ الصحابة: "كان أصحابُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرعون أبوابَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بأظفارهم؛ خشيةً من إيذاء النبي -عليه الصلاة والسلام.

هذه النَّماذج العظيمة تستوجب منَّا -وخاصَّةً طلبة العلم- أن نكون من أعظم الناس تعظيمًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم.

والإمام مالك -إمام دار الهجرة- كان إذا ذُكِرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يبكي بكاءً عظيمًا، وينحني أمام تلاميذه -رحمه الله تعالى- حتى يُشفقوا عليه، فلما كلَّموه؛ قال: "لو رأيتم ما رأيتُ لَمَا أنكرتم.

قالوا: ماذا رأيت -رحمك الله؟ قال: رأيتُ محمدًا بن المُنْكَدر إذا ذُكِرَ حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يبكي بكاءً عظيمًا حتى نرحمه من شدَّة بكائه".

الآن كم مرَّة نسمع أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته وحياته، ومع ذلك لا نجد في قلوبنا وفي أنفسنا ذلك التأثير؟!

فنسأل الله أن يرحمنا برحمته -عز وجل.

والإمام مالك -رحمه الله- كان إذا أراد أن يذهب إلى مجلس الذكر يغتسل ويتبخَّر، ويلبس أحسن الثياب، وأحسن ما لديه من عمائم، ثم يذهب إلى مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا بدؤوا في ذكر حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا بالخشوع والخشية تعلوهم جميعًا -رحمهم الله تعالى رحمةً واسعةً.

والإمام سعيد بن المسيب كان في فراشه من مرضٍ عظيمٍ أصابه، فأتاه آتٍ فسأله عن حديثٍ، فقام -رحمه الله تعالى- وجلس على فراشه فقالوا: لو لم تتعنَّ يا إمام؟ قال: "أأذكر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا مُضطجعٌ على فراشي؟!"

فإذا كان هذا تعظيمهم في السماع، وتعظيمهم في الحديث؛ فكيف كان تعظيمهم في العمل بهدي النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التَّسليم؟

كيف نتأدَّب مع النبي -صلى الله عليه وسلم؟

التَّأدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون بأمورٍ:

فيكون بطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يُعبَد الله إلا بما شرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنَّه قال -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح البخاري ومسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، وفي روايةٍ لمسلمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، أي مردودٌ على صاحبه.

إذن هذا هو ما يتعلَّق بالأدب مع الله، والأدب مع رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك الأدب مع العلماء، وهناك أيضًا الأدب مع الناس.

كيف تتأدب مع الناس؟

طبعًا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ المُعَامَلَةُ»، وهو أن يُعامَل الناسُ بحسب أقدارهم، فمعاملة الإنسان لوالديه تختلف عن غيرهما، ومعاملته لشيخه تختلف عن غيره، وهكذا كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِجْلَالَ ذِي الشَّيبَةِ المُسْلِمِ».

هناك قاعدة يحسن بطلاب العلم أن يتنبَّهوا لها في تعاملهم مع الخلق جميعًا، وهي من الأمور التي أوصى بها الإمامُ الشافعي -رحمه الله- تلميذه يونس، حيث قال له: "يا يونس، الانقباض عن الناس يُكسِبُ عداوتهم"، فإذا لم تختلط بالناس فإنَّهم يُعادونك؛ لأنَّهم يبدؤون في التحليل والكِبْر، ويذكرون أمورًا أخرى عنك فتبدأ عداوتهم.

قال: "الانقباض عن الناس يُكسِب عداوتهم، والانبساط إليهم يجلِب قُرناء السُّوء، فكن بين الانقباض والانبساط".

هذه مقولةٌ رائعةٌ، وحكمةٌ بديعةٌ، قال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: 269].

أُعِيد وصية الإمام الشافعي -رحمه الله- لتلميذه يونس: قال: "يا يونس، الانقباض عن الناس يُكسِب عداوتهم، والانبساط إليهم يجلِب قُرناء السُّوء، فكن بين الانقباض والانبساط". والوسط في جميع أمور المسلم جيدٌ، كالوسط في الاعتقاد، والوسط في التعامل.

وللإمام السَّخاوي -رحمه الله- رسالة نفيسة اسمها "الجواب الذي انضبط في لا تكن حُلوًا فتُسترط، ولا مُرًّا فتُعْقَى، وخير الأمور الوسط".

المشاركة عبر الفيس بوك
__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس