
06-03-2016, 12:32 AM
|
 |
الإدارة
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
|
|
رد: تسهيل دورة البناء العلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
#الدرس [7]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيُّها الإخوة والأخوات، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم جميعًا ممن يجتمع في هذه الحياة على طاعته، ويوم القيامة في جنَّته، إنَّه -عز وجل- جوادٌ كريمٌ.
هذا هو الدرس السابع من دروس البناء العلمي، والذي يُقدَّم لكم من خلال هذه الدورة العلمية، والتي أسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه أن يجعلها نافعةً ومفيدةً لنا جميعًا.
ولعلي في بداية هذا اللِّقاء أتقدَّم لكم أيُّها الإخوة بالشكر على مُشاركتكم وتفاعلكم معنا،
فأسأل الله -عز وجل- أن يشملنا برحمته الواسعة.
تحدثنا في الدروس الماضية عن مُقدِّماتٍ مُهمةٍ في فضل العلم الشرعي، وبيَّنَّا أيضًا لماذا الحديث عن البناء العلمي، وأنَّه من خلاله - بإذن الله عز وجل - سنُرشد طلاب العلم الشرعي إلى المنهج الصَّحيح المُختصر الذي يُوصلهم -بإذن الله عز وجل- إلى غايتهم، وإلى بُغيتهم، وهي أن يكونوا من أهل العلم، والله -عز وجل- قال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾[السجدة: 24]، والله -عز وجل- يقول: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: 189]، فالعلم له طرقٌ إن سار عليها الطالبُ فإنَّه سيُوفَّق -بإذن الله عز وجل- للوصول إلى بُغيته.
أيضًا تحدَّثنا عن فضل العلم في القرآن، وفضل العلم في سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتحدَّثنا عن بعض الأمور التي قد تصرف طالبَ العلم عن طلب العلم الشرعي، وذكرنا أنَّ العلم هو أفضل مطلوبٍ، وطلبه لله -عز وجل- من أعظم الأعمال التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربِّه ومولاه.
وفي هذا اللِّقاء لن نتحدَّث أيضًا عن البناء العلمي، فسيكون الحديث عن البناء العلمي - إن شاء الله - ابتداءً من الدروس القادم.
هناك مجموعة قواعد وضوابط إذا سار عليها الطالب -بإذن الله عز وجل- سيُوفَّق لسلوك منهج العلماء في طلب العلم، ولكنني في هذا اللِّقاء سأتحدَّث عن موضوع في غاية الأهمية، وهو ما يتعلَّق بأدب طلب العلم.
فطلب العلم له آدابٌ يجب على طالب العلم أن يُراعيها، ولهذا لو تأمَّلتم مُؤلَّفات بعض العلماء الذين ألَّفوا في العلم مثل الإمام ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- وهو من أئمَّة المالكية، فقد ألَّف كتاب "التمهيد"، وألَّف كتابًا نافعًا مفيدًا أسماه "جامع بيان العلم وفضله" ضمَّنه عددًا من الآداب التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها.
كذلك الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه "المجموع" -وهو من أئمَّة الشَّافعية- ذكر مُقدِّمات في غاية الأهمية تتعلَّق بآداب طالب العلم.
فالأدب من أعظم الأمور التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها، وسيأتي معنا -بإذن الله عز وجل- عددٌ من النصوص والنُّقول عن أئمَّة أهل السُّنة والجماعة، وعن السَّلف الصالح الذين أكَّدوا على هذا الأمر.
والتحلي بالآداب بشكلٍ عامٍّ هو من العبادات العظيمة التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربِّه -سبحانه وتعالى.
قال -صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»، وقال -عليه الصلاة والسلام- وهو يُبيِّن فضل الأدبِ: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، المُوَطَّؤُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ»، ويقول -عليه الصلاة والسلام: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».
إذن هذه عدَّة آياتٍ، والله -عز وجل- أثنى على نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
وحينما تحدَّث النووي -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن" قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرَف بليله إذا الناسُ نِيام، وبنهاره إذا الناس مُفطِرون"، لماذا؟ لأنَّه يحمل هذا القرآن العظيم الذي يجب عليه أن يُراعيَ حفظه ومكانته؛ لأنَّ الله -عز وجل- جعله في صدره، فيجب أن يكون هذا الصدر وهذا القلب موطِئًا لكلِّ خيرٍ، ويُبعِدُ عنه كلَّ شرٍّ؛ حفاظًا وتقديسًا وتعظيمًا لكتاب الله -سبحانه وتعالى.
إذن: إذا كنا نقول: إنَّ على المسلمين أن يتحلُّوا بالأخلاق الحسنة؛ فإنَّ على طلبة العلم خاصَّة أن يكونوا هم القُدوة الحسنة والصَّالحة في هذه الأخلاق الحميدة.
وحينما ترى الرجل كثيرَ العلمِ قليلَ الأدبِ؛ فإنَّ هذا عنوان لعقوبة الله -عز وجل- له، وحرمان الله -عز وجل- له من الخير.
ولما سُئِلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كيف كان خُلُقُ النبي -عليه الصلاة والسلام؟ قالت: "كان خلقه القرآن".
يقول الإمام الشَّاطبي -رحمه الله تعالى- في كتاب "الاعتصام" -وكتب الإمام الشَّاطبي من الكتب المُهمَّة التي يجب علينا أن نقرأها ونتأمَّل فيها؛ لأنَّها تبني طالب العلم فيما يتعلَّق بمقاصد الشَّريعة بناءً علميًّا عظيمًا- يقول -رحمه الله: "وإنَّما كان -صلى الله عليه وسلم- خلقه القرآن لأنَّه حكَّمَ الوحيَ على نفسهِ، فلا يصدر عنه قولٌ ولا فعلٌ إلا وهو مُوافقٌ لكلام الله -سبحانه وتعالى". بل إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في رسالته قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ».
مَن أراد أن ينظر أيضًا إلى أهمية ومكانة التأسي بالأخلاق الحسنة فليتأمَّل في قول الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- حيث يقول -رحمه الله: "أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلَّة أدبه علامة على حرمانه وبَوَاره، وما استُجلِبَ خيري الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استُجلبَت الشُّرور بمثل قلَّة الأدب".
ثم يقول: "تأمَّل إلى ذلك الرجل الذي انحدرت عليه صخرةٌ على الغار الذي كان فيه، فتقرَّب إلى الله -عز وجل- ببره بأبويه فنجَّاه الله -عز وجل- وتأمَّل إلى ذلك المُصلي الذي تأوَّلَ أن يبقى في صلاته ولا يقطعها لأجل أمِّه، ماذا كانت النتيجة؟ هُدِمَت صومعته، وضُرِبَ من الناس، ورُمِيَ بالفاحشة".
فهذا أيضًا دليلٌ على أهمية الأدب الذي يجب أن يتحلى به المسلمُ، فضلًا عن طالب العلم.
ويقول ابن القيم أيضًا -رحمه الله: "وتأمَّل إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حينما طُلِبَ منه -رضي الله عنه وأرضاه- أن يَؤُمَّ الناسَ بين يدي رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فماذا قال؟ قال: ما ينبغي لابن أبي قُحافة أن يتقدَّم بين يدي رسول الله". يقول: "فكانت نتيجة هذا الأمر أن قدَّمه المسلمون بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم".
فالأدب من أعظم الأمور التي يُستَجلَبُ بها خيري الدنيا والآخرة، بل إنَّ ابن القيم -أكثرنا من النقل عنه- قال أيضًا -رحمه الله: "الأدب هو الدين كله، وكان يُقال: أربعة يسود بها العبدُ: العلم، والأدب، والفقه، والأمانة".
فحينما نتحدَّث عن الأدب فأول ما نتحدَّث عنه هو أدب العبد مع ربِّه -سبحانه وتعالى- فكيف يتأدَّب العبدُ مع ربِّه -عز وجل.
المشاركة عبر الفيس بوك
__________________
[align=center] [/align]
|