
06-03-2016, 12:13 AM
|
 |
الإدارة
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
|
|
رد: تسهيل دورة البناء العلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
#الدرس [4]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم ممن إذا أُعطِيَ شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنَّ هذه الثلاث عنوان السعادة. اللهم آمين.
في هذا اللقاء وهو الدرس الرابع من دروس البناء العلمي، والتي تُقدَّم من خلال هذه الدورة العلمية نتحدث -بإذن الله عز وجل- عن موضوعٍ أعتقد أنَّ كلَّ مَن يروم طلب العلم الشرعي ويقصده لابُدَّ أن يقرأ في هذا الموضوع، ولابُدَّ أن يبني فيه نفسه بناءً علميًّا سليمًا صحيحًا.
لذلك وقبل أن نلج في موضوعنا "البناء العلمي" لا بد من مقدمات كما أسلفنا.
فالمسألة الأولى التي تحدثنا عنها: فضل العلم في القرآن.
والثانية: فضل العلم في السنة.
والثالثة التي سنتحدث عنها: مُقارنات
فهناك مقارنة بين بعض الأمور التي أحيانًا قد تصرف الإنسان عن طلب العلم، ومن هذا المقارنة بين العلم ونوافل الطاعة، فأيُّهما أفضل: أن يشتغل طالبُ العلم بالقراءة والبحث والتحصيل والدراسة في ليله أم يقوم لصلاة الليل؟
ذكر الإمام النووي -رحمه الله- أنَّه باتِّفاق العلماء أنَّ الاشتغال بالعلم الشرعي أفضل من التقرب بنوافل الطاعة، وهذا أيضًا مروي عن الإمام مالك والإمام أحمد والإمام الشافعي، ومرويٌّ كذلك عن الزهري؛ بل إنَّ ابن عمر-رضي الله عنه- قال: "مجلس فقهٍ خيرٌ من عبادة ستين سنةً".
ولهذا فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق -حديث أبي الدرداء- قال: «وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ»، ما الذي يجعل الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغال بنوافل الطاعة؟
عدة أمور، منها:
أولًا: ما ورد في نصوص الشَّريعة من أحاديث، وقبلها آيات تدلُّ على فضل العلم ومنزلة أهله.
الأمر الثاني: أن نفع العلم مُتعدٍّ، فالعالم نفعه له وللآخرين، بينما العابد نفعه مُقتصرٌ عليه، ومن المعلوم أنَّ العبادات مُتعدية النفع أفضل من العبادات التي تكون محصورةً أو مقصورةً على الإنسان.
والعلماء -رحمهم الله تعالى- أيضًا لاحظوا ملحظًا آخر في فضل العلم على النوافل، وهو أنَّهم قالوا: الاشتغال بالعلم الشرعي بالنسبة للأُمَّة فرضُ كفايةٍ، وأجر مَن يقوم بفروض الكفاية أكثر من نوافل الطاعة، لماذا؟
لأنَّه يُسقِط الإثم عن الأُمَّة، ومن أعظم العبادات التي يتقرَّب بها العبدُ إلى الله هي عبادة تُسقِط بها الإثمَ عن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم.
أرسل الإمام عبد الله العمري -وكان من العُبَّاد الزُّهاد- رسالةً إلى الإمام مالك ينصحه فيها، فالإمام مالك صرف حياته في تعليم الناس العلم، فهو بين مجلس الفقه، ومجلس الحديث، ومجلس الفُتيا، فكأنَّ هذا العابد رأى أنَّ الإمام اشتغل بالناس عن العبادة، فأراد أن ينصحه بأن ينقطع عن الناس ويُقبِلَ على العبادة، فقال الإمام -رحمه الله- في ردٍّ لطيفٍ مُؤدبٍ: "إنَّ الله قسَّم الأعمالَ كما قسَّم الأرزاق، فمن الناس مَن فتح الله له في باب الصلاة، ومنهم مَن فتح له في باب الصدقة، ومنهم مَن فتح له في باب الصيام، ومنهم مَن فتح الله له في باب الجهاد، ونشر العلم والخير من أعظم القُربات التي يتقرب بها العبدُ إلى الله، وأرجو أن يكون ما أنا فيه ليس بأقل مما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خيرٍ".
رأيتم التناصح الذي يكون بين الأئمة -رحمهم الله تعالى- وأيضًا فقه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في هذه المسألة حينما بيَّن أنَّ الاشتغال بالعلم لا يقل فضلًا عن الاشتغال بنوافل الطاعة، بل قد يكون أعلى من الاشتغال بنوافل الطاعة.
لكن هل معنى هذا أن يكون طالبُ العلم عريًّا عن أن يكون صاحب عبادة؟
لا، فمن أعظم الأمور التي تُعين طالب العلم على الطلب قُربه من الله -عز وجل- قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 282]، ويقبح بطالب العلم أن يكون خاليًا من هذه العبادات: من النوافل وقيام الليل؛ بل إنَّ الإمام أحمد -رحمه الله- وهو الذي يرى أنَّ صلاة الوتر سُنَّة مُؤكَّدة قال لما سُئِلَ عن رجلٍ لا يُصلي الوترَ: إنَّه رجل سُوءٍ.
فطالب العلم يحتاج إلى قربه من الله -عز وجل- وأعظم ما يكون به القرب من الله أن يحرص العبدُ على هذه العبادة، لكن العلماء يريدون هذه المسألة في حال كان هناك تباين، كإنسانٍ يريد أن يقوم الليل وعنده مسألة يُريد أن يبحثها، قالوا: لا، ابحث هذه المسألة؛ فهذا خيرٌ لك في دينك، وخيرٌ لك في دنياك.
أيضًا من المقارنات التي يُقارنها العلماء: المناصب والعلم: فأيُّهما أفضل: أن تليَ منصبًا أو وزارةً أو أن تكون من أهل العلم؟
هذه تُبحث أيضًا في بابٍ آخر، فالإنسان قد يُقبِل على العلم ثم يلي منصبًا فينصرف عن طلب العلم، والإمام الماوردي -رحمه الله- عدَّ هذه المسألة في كتاب "أدب الدنيا والدين" من الصَّوارف عن طلب العلم الشرعي، ونحن نريد أن يكون ذهن طالب العلم مُتفرِّغًا للعلم الشرعي.
ومما يُذكَر في هذا: أنَّ نبيا الله داود وسليمان –عليهما السلام- كانا أنبياء، وكانا ملوكًا، فلمَّا توعَّد سليمان الهدهد بالقتل وقال: ﴿لَأُعَذِّبَنهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ [النمل: 21]، ماذا قال الهدهد؟ قال: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل: 22]، فانظر إلى الطائر الذي يتفاخر على نبيٍّ من أنبياء الله بأنَّه أحاط علمًا بشيءٍ لم يعرفه هذا النبي، فقال العلماء: وهذا دليلٌ على فضل العلم ومكانة أهله.
يقول الإمام أبو الحسين ابن فارس اللغوي –وهو من أئمَّة اللغة: "لم أكن أظن أنَّ هناك لذَّة تعدل لذَّة الرئاسة والوزارة حتى جلستُ في مجلس مُناظرةٍ بين سليمان الطبراني وأبي بكر الجعابي، فكان الطبرانيُّ يغلب الجعابي بكثرة حفظه، والجعابي يغلب الطبراني بقوة ذكائه". يقول: "فقال الجعابي للطبراني: سأُحدثك بحديثٍ. قال: قلْ. قال: حدثنا أبو خليفة عن سليمان بن أيوب -ثم حدَّثه بحديث للنبي صلى الله عليه وسلم- قال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب، واسمع مني ليعلو سندكَ. فسمع منه. فتمنيت أنني أنا مكان الطبراني، وأنني غلبته".
هذا أيضًا يتحدث عن فضل العلم ومكانة أهله.
وقد قال أحد حاشية الخليفة أبي جعفر المنصور له: هل بقي شيءٌ من لذَّات الدنيا لم تنلها؟ قال: نعم. قال: ما هي؟ قال: أن أجلس على مصطبةٍ -والمصطبة مثل هذا الكرسي- وحولي أهل الحديث، فيقول المُستملي: حدِّثنا، فأقول: حدَّثنا فلان، وأخبرنا فلان.
يقول الراوي: فلما جاء اليوم التالي إذا بالوزراء وأبناء الوزراء يأتون بمحابرهم وأقلامهم فيجلسون أمام الخليفة -رحمه الله تعالى- فنظر إليهم وقال: لستم أنتم طلبة العلم الذي أريد؛ إنما هم الدَّنَسَة ثيابهم، المُشقَّقة أرجلهم، الطويلة شعورهم، بُرْدُ الآفاق، الذين يطلبون العلم في كلِّ مكانٍ.
فهذه كانت أمنية من أمنيات الخليفة أبي جعفر المنصور، فقد تمنى أن يكون من أهل العلم، وأن يلي هذا العلم.
المشاركة عبر الفيس بوك
__________________
[align=center] [/align]
|