ملحق :
---------
أصول الرياء :
------------
الأصل الأول : عدم الصدق في العبودية ،
قال تعالى : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىظ° كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا "
، كأنّ الله سبحانه وتعالى يقول : إني خلقت السماوات والأرض ومابينهما ، في كل هذه الصنائع والبدائع ، واكتفيت بنظرك لتعلم أني عالم قادر وأنت تصلي ركعتين ، مع مافيهما من المعايب والتقصير ، فلاتكتفي بنظري إليك ، وبعلمي بك ، وبثنائي عليك ، وشكري لك ، حتى تُحب أن يعلم الخلق ليمدحوك بذلك ، أيكون ذلك وفاء ؟ أيكون ذلك عقلا يرضاه أحد لنفسه ؟ ويحك أفلا تعقل ؟
الأصل الثاني :إرادة الدنيا دون الآخرة ،
أنّ من كان له جوهر نفيس ، يمكنه أن يأخذ في ثمنه ألف ألف دينار فباعه بفلس ، أليس يكون ذلك خسرانا عظيما وغبنا فظيعا ، ودليلا بينا على خسة الهمة ، وقصور العلم ، وضعف الرأي وقلة العقل ؟ فمايناله العبد بعمله من الخلق من مدحة وحطام ، بالإضافة إلى رضى رب العالمين وشكره وثناءه وثوابه ، لأقل من فلس في جنب ألف ألف دينار وأضعاف ذلك ، بل في جنب الدنيا ومافيها وأكثر وأكبر . ألا يكون من الخسران المبين ، أن تفوت نفسك تلك الكرامات العزيزة الشريفة بهذه الأمور الحقيرة الدنية ؟ ثم إن كان ولابد من هذه الخسيسة ، فاقصد أنت الآخرة تتبعك الدنيا ، بل اطلب الرب وحده يعطيك الدارين ، إذ هو مالكهما جميعا ، وذلك قوله تعالى : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" ،وقال صلى الله عليه وسلم : " إنّ الله ليعطي الدينا بعمل الآخرة ، ولايعطي الآخرة بعمل الدنيا . ، فإذا أنت أخلصت النية ، وجردت الهمة للآخرة ، حصلت لك الآخرة والدنيا جميعا ، وإن أنت أردت الدنيا ذهبت عنك الآخرة في الوقت ، وربما لاتنال الدنيا كما تريد ، وإن نلتها فلاتبقى لك فتكون قد خسرت الدنيا والآخرة ، فتأمل أيها العاقل .
الأصل الثالث : العمل للمبغض لا للمحب ،
أنّ المخلوق الذي لأجله تعمل ، ورضاه تطلب ، لو علم أنك تعمل لأجله لأبغضك ولسخط عليك واستهان بك واستخف بك ، فكيف يعمل العاقل العمل لأجل من لو علم بأنه يطلب رضاه لسخط عليه وأهانه ؟ فاعمل يامسكين لأجل من إذا عملت لأجله ، وقصدته بسعيك وطلبت رضاه بذلك ، أحبك وأعطاك ، وأكرمك حتى أرضاك وأغناك وكفاك . فهذه هذه ، فافطن لها إن كنت تعقل .
الأصل الرابع : العمل على كسب رضا الناس لا رضا الله ،
أنّ من حصل له سعي يمكن أن يكتسب به رضا أعظم ملك في الدنيا ، فطلب به رضا كنّاس خسيس بين الناس ، أفلا يكون ذلك دليلا على السفه ورداءة الرأي منه وسوء الحظ ، ويقال : ما حاجاتك إلى رضا هذا الكنّاس مع إمكانك من رضا الملك ؟ فكيف وقد سخط الكنّاس عليك بسبب سخط الملك؟ ففاتك الكل ، فهذا حال المرائي . وأي حاجة إلى إرضاء مخلوق حقير ضعيف مهين ، وهو متمكن من تحصيل رضوان رب العالمين ، الكافي عن الكل ؟ ، فإن ضعفت الهمة ، وكلّت البصيرة ، حتى طلبت رضا مخلوق لامحالة ، فسبيلك أن تجرد إرادتك ، وتخلص سعيك لله ، فإن القلوب والنواصي بيده ، فهو يُميل إليك القلوب ، ويجمع لك النفوس ، ويشحن من حبك الصدور ، فتنال بذلك مالاتنال بجهدك وقصدك ، فإن لم تفعل ، وقصدت بعملك رضا المخلوقين دونه سبحانه ، فإنه يصرف عنك القلوب ، وينفر عنك النفوس ، ويسخط عليك الخلق ، فيحصل لك بهذا الأمر سخط الله وسخط الناس جميعا ، فيا له من خسران وحرمان .
ولقد ذكر عن الحسن أنه قال : كان رجل يقول : والله لأعبدنّ الله عبادة أذكر بها ، فكان أول داخل في المسجد وآخر خارج منه ، لايراه أحد حين الصلاة إلا قائما يصلي ، وصائما لايفطر ، ويجلس إلى حلق الذكر ، فلبث كذا سبعة أشهر ، وكان لايمر بقوم إلا قالوا : فعل الله بهذا المرائي وصنع ، فأقبل على نفسه باللوم ، وقال : أراني في غير شيء لأجعلن عملي كله لله ، فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك إلا أنه تغيرت نيته إلى الخير ، فكان بعد ذلك يمر بالناس فيقولون : رحم الله فلانا ، الآن أقبل على الخير ، ثم قرأ الحسن : " إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " ، قال : يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين .
ولقد صدق القائل :
يا مُبْتَغِي الْحَمْدِ وَالنَّوَالاَ
فِي عَمَلٍ تَبْتَغِي مُحَالاَلَ
قَدْ خَيَّبَ اللَّهُ ذَا رِيَاءٍ
وَأَبْطَلَ السَّعْيَ وَالْكَلاَلاَ
مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبٍّأَ
خْلَصَ مِنْ خَوْفِهِ الْفِعَالاَ
الْخُلْدُ وَالنَّارُ فِي يَدَيْهِ
فَرَائِيهِ يُعْطِيكَ النَّوَالاَ
وَالنَّاسُ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا
فَكَيْفَ رَاءَيْتَهُمْ ضَلاَلاَ