رد: الدرس العاشر من دروس الفقه من كتاب التوثيق لبداية المتفقه (قسم المعاملات)
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مرحبا بكم أيها الإخوة المؤمنون وأيتها الأخوات المؤمنات في هذه الدورة العلمية الثانية .
وهذا هو الدرس العاشر من دروس الفقه من كتاب التوثيق لبداية المتفقه .
وفي هذا الدرس نتعرف سويا على أحكام الحجر ، وعلامات البلوغ للذكر وللأنثى ، والأحكام المتعلقة بالوكالة .
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
عاشرا : كتاب الحجر
أي الأحكام المتعلقة بالحجر . والحجر هو منع الإنسان من التصرف في ماله أو ذمته .
ومعنى قوله : أو في ذمته أي ببيع أو شراء بالذمة أي بالآجل .
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
الأول : باب أحكام الحجر
وفيه خمسة ضوابط :
الضابط الأول :
الحجر نوعان :
الأول حجر لحق غيره أي يحجر على الإنسان لحق غيره .
ومن أمثلة ذلك الحجر على المفلس لحق الغرماء أي أصحاب الديون ، والحجر على الراهن لحق المرتهن ؛ فيمنع الراهن من التصرف في العين المرهونة حتى يسدد ما عليه من دين . وكذلك يحجر على المرتد لحق المسلمين ، فلا يتصرف في ماله ما دام مرتدا .
الثاني حجر لحق نفسه أي يحجر على الإنسان لحق نفسه ، وذلك في ثلاثة أمور :
الأول الصغر .
الثاني الجنون .
الثالث السفه .
فيمنع الصغير من التصرف في ماله ويمنع المجنون ويمنع السفيه كذلك .
وذلك لقوله تعالى : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) .
وقال تعالى : ( ولا تؤتوا السفاء أموالكم ) .
فإذا بلغ الصبي وعقل المجنون ورشد السفيه انفك الحجر عنهم من غير حاكم .
وذلك لقوله تعالى : ( فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) .
وقد نقل الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى الإجماع على ذلك .
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
الضابط الثاني :
إذا سجن بدينه فلا يخرج من السجن إلا بحالة من أربع ، أي إذا سجن الحاكم المفلس لا يخرج من السجن إلا بحالة من أربع :
{و لا يسجن الحاكم المفلس إلا إذا طلب صاحب الدين} ولا يجوز للحاكم أن يخرج المفلس من الحبس حتى تتحقق أحد هذه الأمور الأربعة :
الأول : وفاء الدين .
أي إذا وفى المدين الدين وجب إخراجه وذلك لسقوط الحق عنه .
الثاني : إذا تنازل الدائن عن حقه أي إذا تنازل صاحب الدين عن الدين وجب إخراجه وذلك لسقوط الحق عنه .
الثالث : أن يرضى الدائن بإخراجه ، أي إن سأل الدائن الحاكم إخراج المدين وجب إخراجه ، لأن حبسه حق لرب الدين وقد أسقطه .
الرابع : أن يثبت إعساره بشهادة ثقات ، أي إذا تبين أن المفلس ذو عسرة وجب إخراجه .
وذلك لقوله تعالى : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) .
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
الضابط الثالث :
فوائد الحجر أربع . أي يتعلق بالحجر أربعة أحكام :
الحكم الأول : تعلق حق الغرماء بالمال . أي المال الذي بيد المفلس ، لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن في الحجر عليه فائدة .
الحكم الثاني : من وجد عين ماله بعد الحجر فهو أحق به ما لم يفقد من ثمنه شيئا وكان المفلس حيا .
أي إذا وجد صاحب الدين دينه كما هو فهو أحق به ، وذلك بثلاثة شروط ذكرها شيخنا حفظه الله تعالى :
▪️الشرط الأول : أن يكون الدين كما هو لم تتغير صفته
وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره ) .
الشرط الثاني : ما لم يقبض من ثمنه شيئا ، أي إن قبض صاحب الدين من ثمن الدين شيئا فلا يمكنه الرجوع .
وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه {أي الذي اشتراه} ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به . وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء {وفي لفظ : وإن كان قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرباء} . أي يأخذ كما يأخذ باقي الغرماء .
الشرط الثالث : أن يكون المفلس حيا ، فإن مات المفلس فالبائع أسوة الغرماء .
وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء ) .
الحكم الثالث : يلزم الحاكم قسم ماله على الغرماء بقدر ديونهم . أي يجب على الحاكم قسم مال المفلس على الغرماء بقدر ديونهم . وهذا ما يسمى بالمحاصة . وصفة المحاصة أن تجمع الديون وينسب إليها مال المفلس .
ومثال ذلك أن يكون مقدار الدين ألفا ، ومال المفلس خمسمائة . فالنسبة بين الألف والخمسمائة النصف . إذن كل صاحب دين يأخذ نصف دينه . فالذي له مائة يأخذ خمسين والذي له مائتان يأخذ مائة وهكذا .
مثال آخر : رجل عليه دين مقداره عشرة آلاف . وماله ألفان . فالنسبة بين الألفين والعشرة آلاف هي الخمس . إذن كل صاحب دين يأخذ خمس دينه ، فالذي له مائة يأخذ عشرين والذي له ألف يأخذ مائتين .. وهكذا .
الحكم الرابع : عدم جواز مطالبته بعد ذلك . أي لا يجوز لأحد من الغرماء أن يطالب المفلس بعد أخذه ما وجده .
وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ) .
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
الضابط الرابع :
من دفع ماله إلى صغير أو سفيه أو مجنون فأتلفه لم يضمن . أي من أعطى ماله لصغير أو مجنون أو سفيه لا يحسن التصرف المالي فأتلفه الصغير أو المجنون أو السفيه ، لم يضمن الصغير ولا السفيه ولا المجنون ما أتلفه . أي لا يتحمل الخسارة . وذلك لأن الذي أعطى فرط حينما أعطى الصغير أو السفيه أو المجنون ماله .
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
علامات البلوغ للذكر إحدى ثلاث ، وعلاقة هذا الضابط بباب الحجر أنه متى حكم ببلوغ الصبي ورشد زال الحجر عنه :
العلامة الأولى : الاحتلام .
فإذا أنزل الرجل أو المرأة حكم ببلوغهما ، وهذا بلا خلاف بين أهل العلم .
وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ) .
العلامة الثانية : نبات شعر خشن حول القبل أي حول ذكر الرجل و فرج المرأة . أي إذا نبت شعر خشن حول ذكر الرجل أو فرج المرأة حكم ببلوغهما .
وذلك لحديث عطية القرضي قال : كنت من سبي بني قريظة ، وكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ، ومن لم ينبت لم يقتل فكنت فيمن لم ينبت .
ومعنى قوله فمن أنبت الشعر قتل أي من وجدوه ذا شعر خشن قتل لأن نبات الشعر الخشن من علامات البلوغ .
وأنتم تعرفون أن سبي بني قريظة حكم فيهم سعد رضي الله عنه أن تقتل مقاتلتهم ويعرفون المقاتل بكشفهم عن مؤتزره . فإن وجدوه أنبت عرفوا أنه قد بلغ فيقتلونه .
العلامة الثالثة : تمام خمس عشرة سنة . أي إذا بلغ الرجل أو المرأة خمس عشرة سنة حكم ببلغوهما .
وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزنى . وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ، {وفي رواية : ولم يرن بلغت} . فلم يجزه النبي صلى الله عليه وسلم حينما بلغ أربع عشرة سنة لأنه لم يبلغ وأجازه حينما بلغ خمس عشرة سنة لأنه بلغ .
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
وتزيد الأنثى على العلامات الثلاثة المتقدمة بعلامتين :
العلامة الأولى : الحيض . أي إذا حاضت الجارية حكم ببلوغها وهذا بلا خلاف بين أهل العلم .
وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) .
ومعنى حائض أي بالغة .
العلامة الثانية : الحمل . أي إذا حملت الجارية حكم ببلوغها لأنه لا يكون إلا من المني . فإذا ولدت المرأة حكم ببلوغها حين حكم بحملها .
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
الثاني : باب الوكالة
أي الأحكام المتعلقة بالوكالة .
والوكالة هي أن ينيب جائز التصرف من هو جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة .
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
وفيه ثلاثة ضوابط :
الضابط الأول :
شروط الوكالة أربعة . أي لا تصح الوكالة إلا باجتماع هذه الشروط الأربعة :
الشرط الأول : من جائز التصرف أي لا يصح التوكيل في شيء ممن لا يصح تصرفه ، أي لا يصح توكيل طفل ولا مجنون ولا سفيه لأن من لا يملك التصرف بنفسه فبنائبه أولى .
الشرط الثاني : فيما تدخله النيابة . أي لابد أن تكون الوكالة فيما تدخله النيابة كالبيع والشراء ونحو هذا ، ولا يجوز التوكيل فيما لا تدخله النيابة كالعبادات البدنية كالصلاة والصيام ونحوه . فلا يصح أن يوكل المسلم أخاه في صلاة الظهر عنه أو في صيام يوم بدلا منه .
الشرط الثالث : أن يكون التصرف مباحا . أي أن تكون الوكالة في شيء مباح . فإذا وكله في شراء محرم كخمر وخنزير ونحو هذا لم تصح الوكالة .
لقوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) .
الشرط الرابع : تعيين الوكيل . أي لابد من تعيين الوكيل ، فلا يصح أن يقول : وكلت أحد هذين ، أو وكلت هذا وهذا .. وذلك للجهالة ..
قال شيخنا حفظه الله تعالى :
الضابط الثاني :
مبطلات الوكالة سبعة ، أي الأشياء التي تبطل الوكالة سبعة :
المبطل الأول : الفسخ .
أي من قبل الموكل أو الوكيل ، هذا بلا خلاف بين أهل العلم . فإذا فسخ الوكالة الموكل أو الوكيل بطلت . وذلك لأن الوكالة عقد جائز من الطرفين يجوز لكل واحد منهما فسخه .
المبطل الثاني : الموت . أي موت الموكل أو الوكيل . فإذا مات الموكل بطلت الوكالة بإجماع أهل العلم . ولأن الوكيل فرع عن الموكل فيزول بزوال أصله .
المبطل الثالث : الجنون . أي إذا جن الموكل أو الوكيل بطلت الوكالة . وذلك لأن المجنون لا يصح تصرفه في ماله فمن باب أولى لا يصح تصرفه في مال غيره .
المبطل الرابع : الحجر لسفه ، أي إذا حجر على الموكل أو الوكيل لسفه بطلت الوكالة بإجماع أهل العلم .
والسفه هو عدم إحسان التصرف المالي .
المبطل الخامس : الفسق فيما ينافيه . أي إذا فسق الموكل بطلت الوكالة إذا كانت فيما يشترط له العدالة كإيجاب النكاح واستيفاء الحج وإثباته ، لأن الوكيل فرع عن الموكل فيزول بزوال أصله
__________________
[align=center] [/align]
|