المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حادثة الخسوف وموت إبراهيم وتجليات صدق البشير النذير


مصطفى طالب مصطفى
06-02-2015, 04:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم



لقد اشتهر النبي ﷺ في مكَّة المكرَّمة بلقب "الصادق الأمين (http://www.shbaboma.com/vb/showthread.php?t=286)" وسَبَبُ ذلك أنَّهم عاشروه فلم يُجَرِّبوا عليه كذباً قط.



قال المسيو Sedillot سيدللو في كتابه تاريخ العرب[1]: ولمَّا بَلَغَ محمدٌ من العمر خمساً وعشرين سنة استحق بِحُسنِ سِيرَتِه واستقامة سلوكِه مع الناس أن يلقب بالأمين.

وقال Muir موير[2]: أنه لقب بالأمين بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه.

وكتب لفظة أمين بالأنجيليزية هكذا Faithful.

اليوم سنتكلم عن عَلَم من أعلام نبوته ودليل على عظمة أخلاقه فهو المبعوث ليتمم صالح الأخلاق[3]

وهذه الحادثة التي سوف نناقشها اليوم ليست حادثة عادية، وخُلق جَميل يتحلَّى به النبي الكريم ﷺ، بل إنها لَفُرصة عظيمة له أمام قوم جُهَّال يستثمرها ﷺ في دعوته للدلاله على صدقه فيما يقول.

لقد كان في قديم الزمان إعتقادات مَبنيَّة على الجهل تارةَ وعلى الخَوفِ والرُّعبِ وتخويف الشياطين تارك أخرى، فاعتقد قوم أن الأجرام السماوية لها تصرُّفٌ في الكون وأنها مُطَّلعة عليهم, فعبدوها من دون الله اتقاء شرها.

ومن تلك الإعتقادات أن الكُسوف والخُسوف كان يحصل لموت أو لحياة عظيم من العظماء، فلو افترضنا أن ذلك حصل مع النبي ﷺ بأن ولد له ولد أو مات ابنه مثلاً وحصل الكسوف, فإنَّ ذلك لمن أفضل الفُرص التي ستغلب على قوم آنكروا الدلائل الواضحة على صدقه ﷺ فهي بمثابة المعجزات عندهم، ولكنها معجزة تتفق مع إعتقاداتهم فلا يستطيعون ردَّها وتكذيب فاعلها ولو ظاهراً, إلا جُحوداً واستكباراً, كما حكى الله عنهم: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل: 14]

وبالفعل هذا ما حدث, فقد توفي إبراهيم رحمه الله ابن النبي ﷺ، وقدَّر الله أن يحصل خسوف في نفس وقت وفاته على أبيه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

فيا ترى ماذا فعل النبي ﷺ في هذه الفرصة الذهبية.

والقصة كما في الصحيحين وغيرهما يرويها جابر بن عبد الله و المغيرة بن شعبة و عبد الله بن عمرو و أبو بَكْرَة و النعمان بن بشير و عائشة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين[4]: انكسفتِ الشمسُ في عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ مات إبراهيمُ ابنُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال الناسُ: إنما انكسفت لموتِ إبراهيمَ.

إذاً, لقد ظَنَّ أهل مكَّة أن هذا الحَدَثَ كان لوفاة ابن النبي ﷺ, فقال بعضهم لبعض أرأيتم إنه لنبي ها الشمس تنكسف لموت ابنه وأنتم تعلمون أنها لا تنكسف الا لموت أو حياة عظيم، فقد حزنت السماء لموت ابراهيم

الآن بإمكان النبي ﷺ أن يقوم بالآتي:

1- يلتزم الصمت وجهلهم سيدفعهم لتصديقه أو على الأقل بعضهم سيصدق أو المؤمنين سيثبتون
2- أن يقوم خطيباً فيستغل تلك الحادثة
3- أن يقول الحق في هذه المسألة

فماذا فعل؟

عندما سمع النبي ﷺ مقالتهم غضب غضباً شديداً وَصَعَدَ المنبر فخطب الناسَ فحمد اللهَ وأثنى عليه, ثم قال: إنَّ الشمسَ والقمرَ من آيات اللهِ وإنهما لا يَنخسفان لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه, فإذا رأيتُموهما فكبِّروا, وادعو اللهَ وصلُّوا وتصدَّقوا.

وكان قبل ذلك -وهو الأُسوة الحسنة- قد قام الى الصلاة وأَخَذَ يتضرع لله عز وجل, إذ أن هذا التغير في العالم العلوي لشاهد على قدرة الله القائل في صفة المؤمنين: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 191]


نعم، لم يستغل هذه الحادثة لأنه الصادق الأمين, ورسول رب العالمين إلى الخلق أجمعين, بالقرآن الكريم المبين, وبِسُنَّة أشرف المرسلين, المبشر بجناة النعيم لمن عبد الرحمن وجاء بقلب سليم, والمنذر من النار والجحيم لمن كفر بالعلي العظيم وجاء يوم القيامة مُلِيم.

ولم يسكت لأنه لم يكن لمثله أن يسكت عن الباطل ولا يوضح الحق الذي يعتقده

بل, وإن لإحقاقه الحق في هذه الحادثة لدليل على أنه مُرسَل من عند الله، لأنه وكما قلنا أن الاعتقاد السائد آن ذاك أن هذه الأجرام لها تصرُّف في الكون أو أنَّ الكسوف يحدث لموت أو حياة عظيم, فعندما يأت شخص ويقول لا ليس الأمر كما تعتقدون بل هي مخلوقات من مخلوقات الله لا تنكسف لموت أحد أو لحياته بل يقدرها الله تخويفاً لمن يعتبر, لَهذا أكبر دليل على إلهيَّة العلم الذي يتكلم به، لا نقول كما قالت النصارى فنغلوا[5] بالنبي ﷺ فإنما هو عبد ورسول من الله لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة بل نؤمن أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى, فما يقوله النبي ﷺ هو الحق فهو معصوم في تبليغ الرسالة

وهذا دليل دامغ أمام مٌنكري السنة, فهذا الحديث لا يخدمهم إذ أنَّه متواتر, ومع ذلك فهو ليس لتفصيل شيئ في كتاب الله فهو حكم مستقل, فإنكاره هو إنكار بعض ما أوحاه الله لنبيه والدليل أن كلامه لا يقوله بشر عاش في بيئة صحراوية يغلب عليها الجهل والمعتقدات الفاسدة

ثم أن النبي ﷺ مهمته تبليغ الرسالة ولا عليه أن يؤمن الناس أو لا يؤمنوا لذلك فإن الله ﷺ كان يعاتبه لما يجده في نفسه من المشقة والشفقة على قومه التي كادت ستقتله خوفاً عليهم, فهو القائل في صفته: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128]

وهذا عتابٌ محمودٌ فالله يأمره أن يخفف من آلامه نتيجة حُزنه على قومه ويطمئنه أن عليه مجرد البلاغ وأن هذه سُنَّة الله بارسال الرسل وأنه لن يحاسب على كفرهم, قال تعالى: وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [العنكبوت: 18]

وليست النبوة مقام لإصطياد الفُرَص واظهاراً للفضل والكرامة بين الناس، بل هي لتزكية النفس بمعرفة الله وآلائه, فهدف النبي أعظم من الاعتراف به والإيمان بالله, فقد أرشدنا إلى آداب تليق بمثل هذا المقام, فالتضرع والصلاة لله عز وجل ودعائه والاستغاثة به في مقابل هذا الحدث الكوني العظيم الدال على قدرة الله لهو الثمرة من خلقنا إذ خلقنا الله لعبادته، حيث قال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]

فالدعاء والخوف والرجاء والرغبة والرهبة من أعظم العبادات القلبية التي تنفع البَرية

ثم ان النبي ﷺ لو سكت او استغل هذه الحادثة لكانت في عصر العلم دليل على بشرية دعوة النبي ﷺ, لأنه ظهر الآن أنها آية من آيات الله لا علاقة لها بموت او خياة أحد كنا أخبر النبي ﷺ منذ اربعة عشر قرنا ونيف, ويُعذ هذا من أعظم الأدلة على صدقه, ففي حين يُحاول المفترون جمع ما يضد موقفهم من هنا وهناك - كما سيمر معنا في نهاية هذا الموضوع - نجد أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يعارض ما من شأنه أن يقوِّي موقفه أمام المعاندين ظلماً وعدواناً, ببساطة لأنه ليس صحيحاً.

وقد استنبط بعض المستشرقين من هذه الحادثة دليلاً على صدقه, فقال المستشرق الفرنسي أميل درمنغم[6]: وُلِدَ لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) من مارية القبطية ابنه إبراهيم فمات طفلاً, فحزن عليه كثيراً ولحده بيده وبكاه, ووافق موته كسوف الشمس, فقال المسلمون إنها انكسفت لموته, ولكن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) كان في سموّ النفس ما رأى به رد ذلك فقال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد" ... فقول مثل هذا لا يصدر عن كاذب دجال.

فالحمد لله الذي أرسل لنا رسوله بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح: 28]


وفي المقابل عندنا أحد الكذابين الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو " غلام ميرزا " مخترع ديانة القاديانية إذ استغل ظهور الطاعون[7] ب البنجاب لاصطياد الغافلين المستضعفين, فزعم أنه أوحي إليه بأن هذا الطاعون ينجو منه من يؤمنون به بقلب خالص, أو يكفون في الأقل عن تكذيبه وذمه, ويحملون له في قلوبهم تعظيما.

فانظر إلى فعل النبي الحق, وفعل النبي الكذاب, تأمل !
--------

1 الطبعة الثانية سنة 1877 الجزء الأول صفحة 58.
2 كتاب تاريخ حياة محمد صفحة 20 طبعة سنة 1912.
3 أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه: صحيح الأدب المفرد (207) السلسلة الصحيحة (45) صحيح الجامع (2349) (2833), قال الإمام الألباني: صحيح
4 النعمان بن بشير رضي الله عنه: صحيح الجامع (2025)
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: صحيح البخاري (1044) (1046) (1047) (1058)(3203) صحيح مسلم (901) صحيح ابن حبان (2841) (2842) (2845) (2846) صحيح النسائي (1473) (1496) (1499) صحيح الجامع (1642)
جابر بن عبد الله رضي الله عنه: صحيح مسلم (904) صجيج الجامع (7866) صحيح بن حبان (2844) صحيح أبو داود (1178)
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: صحيح البخاري (1043) (1060) صحيح مسلم (915)
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: صحيح البخاري (3201) صحيح بن حبان (2829) (2838)
أبو بكرة رضي الله عنه: صحيح البخاري (1040) (1048) (1063) صحيح بن حبان (2834) (2835)
قبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود رضي الله عنه: صحيح البخاري (1041) (1057) (3204) صحيح مسلم (911) صحيح الجامع (1644)
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: صحيح البخاري (1042) صحيح مسلم (914) صحيح بن حبان (2828)
أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس: صحيح البخاري (1059) صحيح مسلم (912) صحيح بن حبان (2836) (2847)
عبد الله بن عبَّاس: صحيح البخاري (1052) (5197) (3202) صحيح مسلم (907) صحيح الترمذي (3224) صحيح بن حبان (2832) (2853)
5 عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: صحيح البخاري (6830) عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: صحيح البخاري (3445)
6 عماد الدليل خليل: قالوا عن الإسلام صـ 103
7 من مقال له نشر في كتاب: تعاليم المسيح الموعود

مريم احمد
06-02-2015, 09:33 AM
من روائع الكلام تسلم ايدك

مصطفى طالب مصطفى
06-03-2015, 04:06 PM
بارك الله فيكم

كيف لا وهو كلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فدوشة
10-29-2015, 08:23 AM
شكرا لكم وبارك الله فيكم وجهودكم مثمونه ان شاء الله

مصطفى طالب مصطفى
10-30-2015, 03:24 AM
وفيكم بارك الله