المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفريغ الحلقة العاشرة: سلسلة آل البيت والصحابة: فاطمة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها


مصطفى طالب مصطفى
05-29-2015, 04:10 PM
فاطمة سيِّدة نساء العالمين رضوان الله عليها

السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه
بسمِ الله الرَّحمن الرَّحيم ، الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الحمدُ لله وليّ الصَّالحين ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين ، نبيِّنا وإمامِنا وحبيبِنا وقُرَّةِ عينِنا محمَّد بنِ عبدِ الله وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين .
ما زالَ حديثُنا متَّصلاً في الكلام عن شخصيَّاتٍ منْ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحبهِ ، وحديثُنا في هذه اللَّيلةِ عنِ امرأةٍ يُقالُ لها أمّ أبيها ، هي سيِّدة نساءِ العالمين وسيِّدة نساءِ أهلِ الجنَّة ، هي البضعة النبويَّة ، هي التي كانَ يقولُ لها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " يُؤذيني ما يُؤذيكِ ويريبُني ما رابكِ " .
إنَّ حديثَنا عن
فاطمةَ بنتِ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم
هي أصغرُ بناتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على المشهورِ منْ أقوالِ أهلِ العلمِ ، رُزِقَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ خديجة بستَّة أولادٍ ، زينب وهي الكبرى ، ثم رقية ، ثم أمّ كلثوم ، ثم فاطمة ، وقيلَ إنَّ فاطمةَ توءم لعبدِ الله ، ورُزِقَ بالقاسم أيضاً .
وهؤلاء منْ خديجة ( زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة و القاسم و عبد الله )
ورُزِقَ منْ ماريةَ بإبراهيم .

وفاطمةُ هي أصغرُ بناتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، انقطعتْ ذرِّيةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلا منْ فاطمةَ
*- فقدَّر الله تباركَ وتعالى أنَّ رقيةَ تزوَّجها عثمانُ بنُ عفان فأنجبتْ له عبدَ الله وماتَ صغيراً ، ثم ماتتْ رقيةُ فانقطعَ نسلُها .
*- وأمَّا أمّ كلثوم فتزوَّجها أيضاً عثمانُ ولكنَّها لم تُرْزَقْ منه بذرِّيةٍ وتُوُفِّيَتْ أيضاً أمّ كلثوم في السَّنةِ التَّاسعةِ ، ورقية توفِّيتْ في السَّنةِ الثَّانية .
*- أمَّا زينب فتزوَّجها أبو العاص بنُ الرَّبيع ، و أنجبتْ له عليّاً و ماتَ صغيراً ، و أنجبتْ له أمامةَ وتزوَّجها عليُّ بنُ أبي طالب بعد وفاةِ فاطمةَ ولكنَّها أيضاً انقطعَ نسلُها .
*- وأمَّا أولادُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الذُّكور عبد الله والقاسم وإبراهيم فلم يبلغوا الحلمَ وماتوا صغاراً .
*- وفاطمةُ هي الوحيدةُ التي بقيتْ ذرِّيتُها ، إذْ تزوَّجها عليٌّ فأنجبتْ له أربعةَ أولادٍ ، أنجبتْ له الحسنَ وهو البِكْرُ ، وأنجبتِ الحسينَ ، ثم أنجبتْ زينب وأمَّ كلثوم ، أمَّا زينب فتزوَّجها عبدُ الله بنُ جعفر وانقطعَ نسلُها ، وكذلك أمّ كلثوم تزوَّجها عمرُ بنُ الخطَّاب وأنجبتْ له رقية وزيداً وانقطعَ نسلُهما ...
أمَّا الحسنُ والحسينُ فبقيتْ ذرِّيتُهما إلى يومِنا هذا .
فحديثُنا اليوم عن

أمِّ الحسن ، عن فاطمةَ بنتِ النبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم

*- فاطمة التي قالتْ عنها عائشةُ : " ما رأيتُ أحداً أشبهَ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كلاماً وحديثاً منْ فاطمةَ ، كانتْ إذا مشتْ لم تُخطيءْ مشيةَ رسولِ الله صلَّى عليه وسلَّم " .

*- كانَ الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دخلَ على فاطمةَ قامتْ له وقبَّلتْ بين عينيه ثم أجلستْه في مكانها ، وكانتْ فاطمةُ إذا دخلتْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قامَ إليها ثم قبَّل بين عينها وأجلسَها في مكانهِ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه .

*- كانَ يوماً صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه في بيتِ عائشةَ فدخلتْ عليه فاطمةُ وعليّ ؛ وكانَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كساءٌ ( عباءة .. بشت ) فنادى فاطمةَ وعليّاً فأدخلَهما في الكساءِ ، فاطمة عن يمينهِ وعليّ عن شمالهِ ، ثم جاءَ الحسنُ والحسينُ فدخلا في الكساءِ ، ثم عمَّهمُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا الكساءِ وقرأ عليهم قولَ الله تباركَ وتعالى : " ....إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33) " سورة الأحزاب .
*- جاءَ أناسٌ منْ نجران منْ نصارى نجران إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في عامِ الوفودِ ، آخر السَّنةِ التَّاسعةِ ، جاؤوا إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسألوه أسئلةً كثيرةً حول عيسى بنِ مريمَ وموقف القرآنِ منه ، فنزلَ فيهم قولُ الله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33) ...الآيات " في سورة آل عمران التي تبيِّن موقفَ الإسلام وموقفَ القرآنِ منْ عيسى بنِ مريمَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه .
عندها عاندوا وكابروا وأصرُّوا على ما هم عليه منَ الباطلِ فأنزلَ الله تباركَ وتعالى : " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ( أي في عيسى ) مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61) " سورة آل عمران ، فقرأ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أهلِ نجران هذه الآيات وأنَّ الله تباركَ وتعالى يأمرُه أنْ يُباهلَهم أو أنْ يدعوَهم إلى المباهلةِ فوافقوا .
قالوا : نباهلُك والموعدُ غداً .
فاستعدَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للمباهلةِ .
والمباهلةُ : الملاعنةُ ، وهو أنْ يأتي كلُّ إنسانٍ بأحبِّ النَّاسِ إليه وأقربِهم إليه ، أبناءنا ، نساءنا ، أنفسنا ، أنْ يحضرَ وتحضر معه نساؤه وتحضر معه ذرِّيته .
فجاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم منَ الغدِ ومعه فاطمة وعليّ والحسن والحسين
وقالَ : " اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي .. "
جاءَ يُباهلُ بهم صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، ولما رأى أهلُ نجران أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عازمٌ على هذه المباهلةِ خافوا ثم أتوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم
وقالوا : ماذا غير المباهلة .
قالَ : إلا هي .
فقالوا : إذاً نحن نسلِّمُ بما قلتَ ولكنْ أرسلْ مَنْ يعلِّمنا الدِّينَ ، ونريدُه أنْ يكونَ أميناً .
فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " لأرسلَنَّ معكم رجلاً أميناً حقّ أمين "
فأرسلَ معهم أبا عبيدة عامر بن الجرَّاح ، ولذلك يقالُ عن أبي عبيدة إنه أمينُ هذه الأمَّة .
فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم خرجَ بأحبِّ النَّاسِ إليه منْ صُلْبِهِ وذرِّيته وأقاربهِ ، خرجَ بفاطمةَ وعليٍّ والحسن والحسين ليباهلَ بهم ، وكما قلتُ في المباهلةِ أنَّ الرَّجلَ يخرجُ بأقربِ النَّاسِ إليه ثم يخرج الآخرُ بأقربِ النَّاسِ إليه
ثم يقولُ كلُّ واحدٍ منهما : " اللهمَّ إنْ كانَ فلانٌ على الباطلِ وكنتُ على الحقِّ اللهمَّ فالعنْه وأنزلْ غضبَك وعذابَك عليه ، وإنْ كانَ الحقُّ معه وكنتُ مبطلاً فالعنِّي وأنزلْ عذابَك عليَّ... وهكذا "
كلُّ طرفٍ يقولُ هذا القولَ ، يدعو على صاحبهِ ويدعو على نفسِه ، ولكنَّهم ذلُّوا وخافوا لما رأوا عزمَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على المباهلةِ .

*- قالَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه عنها : " حسبُك منَ النِّساء "
وفي روايةٍ : " حسبُك منْ نساءِ الدُّنيا أربع : فاطمة وخديجة وآسيا امرأة فرعون ومريم بنت عمران "
حسبُك منَ النِّساءِ أربع .. فقدَّم هؤلاء النِّساءِ على غيرهنَّ

*- ولذلك قالَ عن فاطمةَ رضيَ الله عنها : " سيِّدة نساء أهل الجنة ".

*- دخلتْ عليه في مرضهِ في بيتِ عائشةَ فقرَّبها إليه ، فلمَّا اقتربتْ منه سارَّها ( أي كلَّمها سِرّاً ) فبكتْ رضيَ الله عنها وأرضاها ، فلمَّا رأى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكاءَها أشارَ إليها أنِ اقتربي ، ثم سارَّها الثَّانية فضحكتْ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه و رضيَ الله عنها .
فقالتْ لها عائشةُ : ماذا قالَ لكِ ؟؟
سألتُك بحقِّي عليكِ ؟
أنا زوجةُ أبيكِ ، ماذا قالَ لكِ ؟
بكيتِ فضحكتِ !!
حتى إنها في بعضِ الأقوالِ قالتْ : ما رأيتُ أسرعَ ضحكاً منْ بكاء .
يعني العادة الإنسان إذا بكى يستمرُّ باكياً ، إذا ضحكَ يستمرُّ ضاحكاً ، أمَّا أنْ يبكي ثم يضحك بهذه السُّرعة !!
استغربتْ عائشةُ رضيَ الله عنها .
فقالتْ : ما الذي أضحككِ وما الذي أبكاكِ ؟؟؟
فقالتْ فاطمةُ : ما كنتُ لأفشي سِرَّ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
أي إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لو أرادَ أنْ أقولَ هذا لجهرَ به ، كونه أسرَّ إليَّ يعني أنه لا يريدُ أنْ يسمعَه النَّاسُ
فسكتتْ عائشةُ رضيَ الله عنها .
فلمَّا توفِّي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم دعتْ عائشةُ فاطمةَ رضيَ الله عنهما .
فقالتْ لها : أسالُك الآن بعد أنْ توفِّي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما الذي قاله لكِ فأبكاكِ ثم قاله لكِ فأضحككِ ؟؟
قالتْ : أمَّا الآن فنعم .
يعني بعد وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أخبرُك .
سارَّني الأولى فقالَ : " إنَّ جبريلَ كانَ يُعارضُني القرآنَ في كلِّ سنةٍ مرَّة وفي هذا العام عارضَني القرآنَ مرَّتين " .
قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " ولا أظنُّ هذا إلا لاقترابِ أجلي ، فاتَّقي الله واصبري فأنا خيرُ سلفٍ لكِ " .
قالتْ : فبكيتُ
لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينعي لها نفسَه وأنه سيموتُ قريباً فبكتْ .
قالتْ : فلم رأى بكائي سارَّني الثَّانية
وقالَ لي : " ألا يسرُّك أنْ تكوني سيِّدةَ نساءِ أهلِ الجنَّة وأوَّل أهلي لحوقاً بي ؟ "
قالتْ : فضحكتُ .
أي منْ هذا الخبر رضيَ الله عنها وأرضاها .
*- تزوَّجتْ فاطمةُ رضيَ الله عنها منْ عليِّ بنِ أبي طالب ابنِ عمها ، ثم قدَّر الله تباركَ وتعالى أنه في يومٍ منَ الأيام أرادَ عليٌّ أنْ يتزوَّج بنتَ أبي جهل - طبعاً بعد وفاةِ أبي جهل - فتقدَّم إليهم ، وعلمتْ فاطمةُ رضيَ الله عنها أنَّ عليّاً قد تقدَّم للزَّواج منِ ابنةِ أبي جهل فذهبتْ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تشتكي .
وقالتْ : يارسولَ الله ، إنَّ النَّاسَ يقولون انك لا تغضبُ لبناتِك .
فقالَ لها : وما ذاك ؟ لماذا لا أغضبُ لبناتي .
قالتْ : إنَّ ابنَ أبي طالب أرادَ أنْ يتزوَّج ابنةَ أبي جهل .
فصعدَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المنبرَ ؛ ثم ذكرَ أبا العاص بن الرَّبيع وذكرَ مصاهرتَه للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، إذْ إنه زوجُ زينب ، و أثنى عليه .
وقالَ : " إنه وعدَني فوفَّى ، وإنَّ آلَ عمرو ابنِ هشام جاؤوا يستأذنونني في أنْ يُنكحوا ابنتَهم لعليِّ بنِ أبي طالب ، ألا إني لا أرضى ، إني لا أحلُّ حراماً ولا أحرِّم حلالاً ، ولكنْ لا تجتمعُ بنتُ نبيِّ الله مع بنتِ عدوِّ الله عند رجلٍ واحدٍ ، إني أخافُ على فاطمةَ أنْ تُفتنَ في دينها ، فاطمةُ بضعةٌ مني ، يريبُني ما رابها ويُؤذيني ما آذاها ، إلَّا أنْ يريد ابنُ أبي طالب أنْ يطلِّق فاطمةَ "
فلما رأى عليٌّ رضيَ الله عنه هذا الموقفَ المتشدِّد منَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تجاه هذا النكاح توقَّف ولم يُقدمْ على الزَّواج منِ ابنةِ أبي جهل ، وظلَّ على زوجتهِ فاطمةَ حتى توفَّاها الله تباركَ وتعالى ثم بعد ذلك تزوَّج غيرَ بنتِ أبي جهل طبعاً .

فاطمةُ رضيَ الله عنها قيلَ إنَّ عليّاً تزوَّجها وهي بنتُ خمسَ عشرةَ سنة وقيلَ أكبر منْ ذلك بقليلٍ ، فأنجبتْ لعليٍّ الحسنَ والحسينَ وأمَّ كلثوم وزينب ، وظلَّت فاطمةُ رضيَ الله عنها مع عليٍّ رضيَ الله عنه طوالَ حياتها في حاجةٍ وفقرٍ ولكنَّهما كانا صابرين ، وفي يومٍ منَ الأيام جاءَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مالٌ منَ البحرين التي هي الإحساء الآن وسمعَ عليٌّ وسمعتْ فاطمةُ كما سمعَ النَّاسُ ، فذهبا إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يسألانه خادماً يخدمُ في البيتِ منَ السَّبي الذي جاءَ ، و يدا فاطمةَ رضيَ الله عنها قد تشقَّقتْ منْ كثرةِ العملِ في البيتِ ، منَ الطَّحن في الرَّحى وكنس البيت وتنظيفه وغير ذلك .
فسألا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم خادماً .
فقالَ لهما صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه : " ألا أدلّكما على خيرٍ لكما منْ خادم ؟ "
قالا : بلى .
قالَ : " تسبِّحان الله قبلَ أنْ تناما ثلاثاً وثلاثين ، وتحمدان الله ثلاثاً وثلاثين ، وتكبِّران أربعاً وثلاثين ، فذلك خيرٌ لكما منْ خادم " .
فقبلا ورجعا إلى بيتهما قريرا العين ، والتزما ما أمرَهما به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
حتى إنَّ عليّاً رضيَ الله عنه بعد وفاةِ فاطمةَ في آخرِ حياتهِ لما كانَ في الكوفةِ ذكرَ هذا الحديثَ
وقالَ : فما تركتُها ليلةً .
أي هذه الأذكار ما تركتُها ولا ليلة واحدة .
فقالَ له رجلٌ منْ أهلِ الكوفةِ : ولا يوم صِفِّين ؟!!
وكأنه يكذِّب عليّاً .. يوم صِفِّين كانَ يوماً شديداً والفكر في القتال .. أكيد نسيتَه ، لا تبالغ بقولك إنك ما تركتَه يوماً .
فالتفتَ إليه عليٌّ قائلاً : تبّاً لكم أهلَ العراقِ ، لا والله ولا ليلة صِفِّين .
يعني لا تتكلَّم بهذه الطَّريقةِ كأنك تكذِّبني ، لا والله ولا ليلة صِفِّين .
واستمرَّ عليٌّ رضيَ الله عنه على هذا الذِّكر .

فاطمةُ رضيَ الله عنها لها خصائص ، يعني أمور تميَّزت بها على قِصَرِ حياتها ، توفِّيت بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بستَّة أشهر ، والمشهور أنَّ عمرَها خمس وعشرون سنةً عندما توفِّيت رضيَ الله عنها ، وقيلَ أصغر منْ ذلك ، وقيلَ أكبر ، وأكثر ما قيلَ ثمان وعشرون سنةً ، وأقلّ ما قيلَ ثلاث وعشرون سنةً ، والمشهور خمس وعشرون سنةً أو قريب منْ ذلك رضيَ الله عنها ، على كلِّ حالٍ سواء قلنا خمساً وعشرين سنةً أو ثمان وعشرين سنةً صغيرة رضيَ الله عنها وأرضاها ، ولذلك لم تروي حديثاً كثيراً عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
ومع هذا السِّنِّ الصَّغير لفاطمةَ رضيَ الله عنها وأرضاها إلا انها روتْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولها خصائص
منْ خصائص فاطمةَ رضيَ الله عنها

*- أنها سيِّدةُ نساءِ أهلِ الجنَّة " إنَّ أكرمَكم عند الله أتقاكم " ، هذه الصَّغيرةُ في السِّنِّ - ثمان وعشرون سنةً على أكبر تقدير أو خمس وعشرون سنةً على المشهور أو ثلاث وعشرون سنةً على أقلِّ تقدير - هذه المرأةُ رضيَ الله عنها " سيِّدة نساءِ أهلِ الجنَّة " .
وكذلك أخبرَ عنها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو منْ خصائصِها
*- أنه قالَ : " حسبُك منَ النِّساءِ أربع : فاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وآسيا امرأة فرعون ومريم بنت عمران " .

منْ خصائص فاطمة
*- أنها أفضلُ بناتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع أنها أصغرهنَّ إلا إنها أفضلهنَّ بالتقوى التي وقرتْ قلبِها رضيَ الله عنها وأرضاها .

*- هي الوحيدة منْ أولادِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التي أصيبتْ به ، كلُّ أولادِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ماتوا في حياتهِ ( زينب وأمّ كلثوم ورقية وإبراهيم والقاسم وعبد الله ) ، كلّ هؤلاء ماتوا والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حيٌّ ، هؤلاء كلّهم أصيبَ بهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتألَّم لفراقِهم ، لكن الوحيدة التي تألمَّت لفراقِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصيبتْ به هي فاطمة رضيَ الله عنها .
ولذلك بيَّن لها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ لها :" اتقي الله واصبري فأنا خيرُ سلفٍ لكِ "، رضيَ الله عنها وأرضاها .

منْ خصائصها
*- أنَّ كلَّ مَنْ ينتسبُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم اليوم يرجعُ عن طريق فاطمة ، فكلُّ ذرِّية النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم منْ طريقِ هذه المرأةِ رضيَ الله عنها أرضاها .

منْ خصائصها
*- شَبَهُها بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كما قالتْ عائشةُ :" ما رأيتُ أشبهَ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حديثاً وكلاماً منْ فاطمةَ ، وكانتْ إذا مشتْ لا تخطئُ مشيةَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم " .

منْ خصائصها
*- أنها إذا دخلتْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقومُ لها ويقبِّل بين عينيها ويجلسُها في مكانهِ .

منْ خصائصها
*- أنها أوَّلُ آلِ بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لحوقاً به ، إذْ توفِّيت بعد وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قيلَ بأربعةِ أشهر وقيلَ بستَّة أشهر .

منْ خصائصها
*- أنها أوَّل مَنْ صُنِعَ لها نعشٌ ، وذلك كما سيأتينا في الكلام عن وفاتها ؛ طلبتْ أنْ يُصنعَ لها نعشٌ حتى لا يُرى تفاصيل جسمِها .
منْ خصائصها
*- أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يضربُ بها المثال ، لما سرقتِ امرأةٌ منْ بني مخزوم وشفَّعوا أسامةَ فيها عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : " و ايمُ الله لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمَّد سرقتْ لقطعتُ يدَها " .
وما ذكرَها مثالاً إلا لعِظمِ مكانها عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
وفي أوَّل الدَّعوةِ لما دعا إلى الله تباركَ وتعالى قالَ : " يا عبَّاس بن عبدِ المطَّلب ، يا صفيَّة عمَّة رسولِ الله ، يا فاطمة بنت محمَّد " فخصَّها منْ دونِ بناتهِ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه .
*- في أوَّل الدَّعوةِ لما بدأ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو إلى الله جلَّ وعلا آذاهُ كفَّار قريش ، ومنْ صُوَرِ إيذائِهم له
أنه جاءَ الخبيثُ عقبةُ بنُ أبي مُعَيْط إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ساجدٌ فألقى بسلى البعير بين كتفي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
( وسلى البعير هي المشيمة)
وذلك أنَّ قريشاً كانتْ يوماً في ناديها وكانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يصلِّي عند الكعبة .
فقالَ كفَّار قريش : أيُّكم يقومُ إلى سلى هذه الجزور ( وهي ناقةٌ كانتْ قد ذُبحتْ ) وأخرجوا سلاها ( أي المشيمة ) .
فقالَ الكفَّار : أيُّكم يقومُ إلى سلى جزور بني فلان فيلقيه بين كتفي محمَّد وهو ساجدٌ .
فقامَ أشقاهم عقبةُ بنُ أبي مُعَيْط وقالَ : أنا أفعلُها .
فقامَ وأخذ السَّلى ووضعَه بين كتفي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ساجدٌ ، فجاءتْ فاطمةُ وهي جاريةٌ حديثةُ السِّنِّ والنبيُّ ظلَّ ساجداً والسَّلى على رقبتهِ بين كتفيه صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، فجاءتْ فاطمةُ رضيَ الله عنها وحملتْه عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ثم التفتتْ إلى قريش وسبَّتهم على هذا الفعلِ الشَّنيعِ بأبيها ورسولها صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه .
ثم عمدتْ قريش على محاصرةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم اقتصاديّاً فمنعتِ الزَّواجَ بل والحديثَ والبيعَ والشِّراءَ مع بني هاشم ومَنْ تابعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فخرجَ إلى شِعْبِ أبي طالب وخرجتْ معه فاطمةُ وخرجَ معه أولادُهم كلّهم .

فاطمةُ رضيَ الله عنها اشتُهرتْ بالحياءِ ، وكانَ لما دخلَ عليها عبدُها وثوبُها قصيرٌ إذا غطَّت رأسَها انكشفتْ قدمُها وإذا غطَّت قدمَها انكشفَ رأسُها ، فاحتارتْ ماذا تفعلُ ؟ فهوَّن عليها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : " إنما هو عبدُك ومولاكِ " .
وجاءَ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم سألها يوماً - والحديثُ فيه ضعفٌ - فقالَ لها : " أيُّ شيءٍ فيه خيرٌ للنِّساء ؟
فقالتْ : ألَّا ترى الرِّجالَ وألَّا يراها الرِّجالُ .
تعني الرِّجالَ الأجانبَ ، وهذا منْ سِترها وحفاظِها على نفسِها رضيَ الله عنها وأرضاها .

بقيتْ في المدينةِ بعد أنْ هاجرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ثم أرسلَ إليها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهاجرتْ تَبَعاً له صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه .

لما جاءتِ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قُبيلَ وفاتهِ وهو في النَّزعِ بكتْ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وقالتْ لما رأتِ العَرَقَ يتصبَّب منْ جبينِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
قالتْ : وا كَرْبَ أبتاه .
يعني إنَّ أبي أصابَه كربٌ شديدٌ منْ هذا الألم الذي يجدُه ، وذلك أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يُوعكُ كرجلينِ صلَّى الله عليه وسلَّم ليرفعَ الله درجتَه .
فقالتْ : وا كَرْبَ أبتاه .
فالتفتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، قالَ : لا كَرْبَ على أبيكِ بعد اليوم ، لا كَرْبَ على أبيكِ بعد اليوم " .
ولما ماتَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه
قالتْ فاطمةُ رضيَ الله عنها :
يا أبتاه ، أجابَ ربّاً دعاه
يا أبتاه ، جنَّةُ الفردوسِ مثواه
يا أبتاه ، إلى جبريلَ ننعاه .
فأصيبتْ بالنبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم ، ثم دُفِنَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، فلمَّا دُفِنَ وأظلمتِ المدينةُ بعد أنْ كانتْ أنارتْ بقدومهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لقيتْ أنسَ بنَ مالك
فقالتْ له : يا أنس ، ماتَ رسولُ الله ؟
فقالَ لها : إي والله .
قالتْ : دفنتم رسولَ الله ؟
قالَ : نعم .
قالتْ : حَثَوْتمُ التُّرابَ على رسولِ الله ؟؟
قالَ : نعم .
قالتْ : كيف طابتْ نفوسُكم أنْ تحثُوا التُّرابَ على رسولِ الله ؟؟!!
كنتم في الدُّنيا تمنعون عنه كلَّ شيءٍ ، الآنَ تحثون عليه التَّرابَ !!!
كيف طابتْ نفوسُكم أنْ تحثوا التُّرابَ على رسولِ الله ؟؟!!
يقولُ أنس : فبكتْ وبكيتُ ولم أستطعْ أنْ أجيبَها .

أصيبتْ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى قيلَ إنها لم تُرَ ضاحكةً بعد وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وظلَّت مريضةً حتى توفَّاها الله جلَّ وعلا .
بعد وفاةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرجتْ فاطمةُ إلى أبي بكر وهو قد بُويعَ بالخلافةِ تطلبُ ميراثَها منْ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
فقالَ لها أبو بكر : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ :" لا نُوْرَثُ ما تركناه صدقة " .
فرجعتْ رضيَ الله عنها وظلَّت في بيتها ، وكانَ قد أصابَها المرضُ وظلَّت هكذا حتى توفَّاها الله جلَّ وعلا .

كانتْ عندها أسماءُ بنتُ عُمَيْس تمرِّضها دائماً ( و أسماءُ بنتُ عُمَيْس هي زوجةُ أبي بكر الصِّدِّيق ) ، كانتْ تمرِّض فاطمةَ ، فكانتْ فاطمةُ يشغلُ بالَها إذا توفِّيت كيف سيحملُها الرِّجالُ إلى قبرِها ؟؟؟!!
وكيف تغطَّى بهذه العباءةِ التي قد تفصِّل جسدَها ؟؟؟!!
فكانتْ تشتكي إلى أسماء خوفَها منْ ذلك ، لشدَّة حيائِها رضيَ الله عنها .
فقالتْ لها أسماءُ : قد رأيتُ في الحبشةِ شيئاً قد أعجبني .
وكانتْ أسماءُ قد هاجرتْ إلى الحبشةِ مع زوجِها الأوَّل جعفر بن أبي طالب .
فقالتْ لها : وماذا رأيتِ ؟؟
قالتْ : كانَ النَّاسُ في الحبشةِ يضعون للنِّساءِ نعشاً .
عبارة عن صندوق تُوضع فيه المرأةُ فلا يُرى جسمُها ، يغطِّيها منْ أعلاها ، فلا تُرَى تفاصيلُ جسمِها .
قالتْ : صِفِيهِ لي ؟؟
فوصفتْه لها .
قالتْ : ما أحسنَه ! فإذا مِتُّ فاصنعي بي هكذا .
ولذلك يقولُ ابنُ عبدِ البرّ : أوَّل امرأةٍ في الإسلام صُنِعَ لها نعشٌ هي فاطمةُ بنتُ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
فلما توفِّيت فاطمةُ رضيَ الله عنها غسَّلتها أسماءُ بنتُ عُمَيْس وعليُّ بنُ أبي طالب ، ثم دُفِنَتْ في البقيع في مكانٍ يُقالُ له دار عقيل بن أبي طالب ، يعني هذه الدَّار كانتْ لعقيل بن أبي طالب في السَّابق ، فدُفنتْ هناك رضيَ الله عنها وأرضاها .
وهكذا ذهبتْ هذه النِّسمة ُالطَّيِّبةُ ، نسمة فاطمة رضيَ الله عنها .. نسمة سيِّدة نساءِ أهلِ الجنَّة .. نسمة سيِّدة نساءِ العالمين .. البضعة النبويَّة صلواتُ ربِّي وسلامُه على أبيها ورضيَ عنها .
والله أعلى وأعلم ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد .