عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-20-2016, 08:53 PM
الصورة الرمزية مصطفى طالب مصطفى
مصطفى طالب مصطفى مصطفى طالب مصطفى غير متواجد حالياً
الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 1,072
مصطفى طالب مصطفى is on a distinguished road
Post الأساس المنطقي لتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام - سلطان العميري

بسم الله الرحمن الرحيم


الأساس المنطقي لتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام

سلطان العميري

يقسم التوحيد عند جمهرة أهل السنة والجماعة تقسيمات عديدة باعتبارات متنوعة , ومن التقسيمات الشائعة عندهم تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.


والمقرر في كتب المنطق والأصول والجدل أن التقسيم يتفرع إلى نوعين:


النوع الأول: تقسيم الكلي إلى أفراده (جزئياته) , والمراد به أن يقسم الكلي إلى أفراده المشتركة في الاتصاف بالقدر المشترك فيه.

وخاصية هذا التقسيم أن كل فرد من أفراده يتصف بالمعنى الكلي أثناء انقسامه.

وذلك مثل: تقسيم العدد إلى زوج وفرد , فالزوج والفرد كل منهما يتصف بكونه عددا , وكذلك تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف , فكل واحد من هذه الأقسام يتصف بكونه كلمة على جهة الانفراد , ويجوز إطلاق الاسم الكلي عليه , فيقال مثلا : الاسم كلمة والحرف كلمة.

والنوع الثاني: تقسيم الكل إلى أجزائه, والمراد به تقسيم الحقيقة إلى أجزائها التي تركبت منها.

وخاصية هذا النوع أن الأجزاء المفردة لا تتصف بالحقيقة المركبة, ولا يجوز إطلاق الاسم الكلي عليه إلا مع القرينة.


وذلك مثل: تقسيم الكرسي إلى خشب ومسامير , فكل من الخشب والمسامير لا يتصف بصفة الكرسي حال تركبه , ولا يجوز إطلاق اسم الكرسي عليه , ومثل تقسيم الشجرة إلى جذور وأغصان وورق , فكل هذه الأقسام لا تأخذ وصف الشجرة حال انفرادها .

إذا تقرر هذا, فتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام من أي نوع يكون ؟, هل هو من نوع تقسيم الكلي إلى أفراده أم من تقسيم الكل إلى أجزائه ؟

الجواب: أنه يصح أن يكون من النوع الأول باعتبار ومن النوع الثاني باعتبار.

فيصح أن يكون من تقسيم الكلي إلى أفراده باعتبار الحقيقة اللغوية, بمعنى أن يكون النظر إلى ذلك التقسيم الثلاثي معتمدا على المعنى اللغوي للتوحيد.

فكل قسم من تلك الأقسام يتصف بمعنى التوحيد لغة, فتوحيد الربوبية وحده يعد توحيدا يسمى بذلك, وتوحيد الألوهية وحده يعد توحيدا في اللغة ويصح أن يسمى بذلك, وكذلك توحيد الأسماء والصفات.

ويصح أن يكون من تقسيم الكل إلى أجزائه باعتبار الحقيقة الشرعية, بمعنى أن يكون النظر إلى ذلك التقسيم الثلاثي معتمدا على أحكام الشريعة ومقتضياتها.

فالحقيقة الشرعية للتوحيد لا بد فيها من توفر كل تلك الأقسام الثلاثة, ولا يعد أحدها توحيدا صحيحا معتبرا في الشريعة إلا بوجود الأخرى.

فلو فرض أن رجلا أتى بتوحيد الربوبية ولم يأت بتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية, فتوحيده غير صحيح, وليس مقبولا عند الله, ولا يعد متصفا بحقيقة التوحيد الشرعي ولا يسمى بالتوحيد الشرعي, ولو فرض أن رجلا أتى بتوحيد الألوهية ولم يأت بتوحيد الربوبية أو الأسماء والصفات , فتوحيده غير صحيح, ولا يعد متصفا بحقيقة التوحيد الشرعي ولا يسمى باسم التوحيد الشرعي.

وهذا التقرير قائم على التفريق بين مقام البحث في معنى الحقائق الشرعية وأحكامها وبين مقام البحث في كونها صحيحة مقبولة نافعة في الشريعة, فمقام البحث في المعنى يتصور فيه الانفصال بين تلك الأقسام في قيامها بالمكلف, ويمكن الحديث عن كل قسم منها منفردا, وأما مقام البحث في كونها صحيحة فلا يتصور فيه الانفصال, فلا يكون المكلف ممتثلا للتوحيد الشرعي إلا إذا جمع كل الأنواع لأنها بمثابة الأركان والشروط في حقيقة التوحيد.

وذلك مثل تقسيم الدين إلى إسلام وإيمان, فهذا التقسيم من تقسيم الكل إلى أجزائه ويمكن الحديث عن كل جزء منفردا, بحيث يبين معناه وتذكر أحكامها, ولكن لا يكون المكلف متصفا بحقيقة الدين الصحيح حتى يأتي بالركنين معا.

اعتراض ودفعه:

وقد اعترض بعض المعاصرين على هذا التقرير, وذكر ابن تيمية يقول: إن الموحد توحيد ربوبية لا يلزم منه كونه موحداً توحيداً كاملاً. بل قد يكون موحداً توحيد ربوبية ومشركاً في الإلهية. ولكن الموحد في الإلهية يجب أن يكون موحداً في الربوبية وفي الأسماء والصفات، إذن فيلزم على هذا أن يكون توحيد الربوبية قسيماً للإلهية، وقسماً منه في نفس الوقت، وهذا الكلام باطل فاسد.

وهذا الاعتراض غير صحيح لأمور:

الأمر الأول: أن ابن تيمية لم يقل إن المقر بتوحيد الربوبية توحيده غير كامل, بل مقتضى كلامه أن توحيده غير صحيح, ولا ينفعه عند الله, ولا يكون إقراره بتوحيد الربوبية مقبولا نافعا له عند الله حتى يجمع معه الأنواع الأخرى, فإذا أراد المسلم أن يكون متصفا بحقيقة التوحيد الشرعي فلا بد أن يكون جامعا لكل أقسام التوحيد.

الأمر الثاني: أن ذلك الاعتراض قائم على الخلط بين البحث في معنى الحقيقة من حيث هي وبين البحث في أحكامها ومقتضياتها, فتوحيد الربوبية ذو طبيعة خبرية إنشائية, وتوحيد الألوهية ذو طبيعة طلبية, ومن المعلوم أن الإيمان بالأخبار غير الإيمان بالأوامر والنواهي, فالإيمان بتوحيد الربوبية الخبري يستلزم إفراد الله بالعبادة ولا يتضمنه, والإيمان بتوحيد الألوهية الطلبي, يتضمن الإقرار بإفراد الله بالربوبية؛ إذ لا تتحقق الحقيقة الطلبية إلا بتحقق الحقيقة الخبرية.

فقول ابن تيمية: توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية لا يعني أن توحيد الألوهية أوسع من الربوبية وأن توحيد الربوبية أضحى جزءا من توحيد الألوهية, وإنما يعني أن حقيقة توحيد الألوهية لا تتحقق في المعين باعتبارها أمرا طلبيا إلا مع تحقق توحيد الربوبية باعتباره أمرا خبريا, فهو يتحدث عن طبيعة توحيد الإلوهية وكيفية تمثل الملكف له وليس عن أفراده وأنواعه.

وهذا التقرير إنما يدرك بمعرفة الفرق بين مقام تقسيم التوحيد باعتبار حقائق الأقسام المندرجة منه وبين مقام الحديث في أحكام تلك الأقسام ومقتضياتها, والتقسيم الثلاثي للتوحيد معتمد على حقيقة الأقسام وليس على أحكامها ومقتضياتها.

وابن تيمية مدرك لهذا الأمر تمام الإدراك, ولأجل هذا ذكر في مواضع من كتبه بأن التوحيد ينقسم إلى قسمين, فذكر تقسيما معتمدا على طبيعة كل نوع وليس على حقيقة كل نوع.

والمعترض خلط بين المقامين, فتوهم أن حديث ابن تيمية عن حكم الحقيقة وطبيعتها هو نفسه حديث عن معنى الحقيقة ذاتها التي هي محل اعتبار التقسيم.

الأمر الثالث: أن ذلك الاعتراض قائم على الخلط بين حقيقة القسم ذاته وبين كيفية امتثاله في الشريعة, فهناك حقائق شرعية منقسمة إلى أقسام متعددة, ومع ذلك لا يمكن للمكلف أن يمتثل بعضها إلا بأن يضمنها بعضها منها.

ومثال ذلك: تقسيم الإيمان إلى ستة أركان, وهو تقسيم نبوي منصوص عليه كما هو معلوم, وهو من باب تقسيم الكل إلى أجزائه بالاعتبار الشرعي؛ فمن أتى بركن واحد فقط فلا يصح أن يوصف بالإيمان الشرعي ولا يعطى اسم الإيمان الشرعي.

ومع ذلك فبعض تلك الأركان لا يمكن امتثالها إلا إذا ضُمن ركنا آخر معه , فلا يمكن أن يؤمن المكلف بالرسل حتى يضمن إيمانه بهم الإيمان بالله تعالى, فإذا آمن بالرسل ولم يضمنه الإيمان بالله هو غير مؤمن بالرسل في حكم الشريعة, فكل من آمن بالرسل إيمان شرعيا فهو في الحقيقة مؤمن بالله تعالى.

فكذلك الحال في توحيد الألوهية, فمن آمن به, ولم يضمن الإيمان به الإيمان بربوبية الله تعالى فهو غير مؤمن في حكم الإسلام, فكل من آمن بالألوهية إيمانا صحيحا فهو في الحقيقة مؤمن بالله تعالى.

فمن اعترض بذلك الاعتراض على تقسيم التوحيد الثلاثي يلزمه أن يحكم على هذا التقرير بالبطلان, وهو لازم باطل بالضرورة, وأي جواب يذكره عن هذا اللازم فهو جواب عليه في أصل اعتراضه.


__________________
[align=center]

[/align]
رد مع اقتباس